عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

هناك ضوابط منهجية يلزم محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم  جميعا أن يراعوها عند اتباع هديه والاقتداء بسنته، ومن هذه الضوابط والمناهج مايلي:


الضابط الأول:

 التفرقة في الاتباع بين السنة القولية والفعلية والتركية والتقريرية
 إذا كان الأصل العام هو وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم   فإنه عند التفصيل هناك ما يقيد هذا الاطلاق ويخصص هذا العموم على النحو التالي:


أولا: السنة القولية:

وهي المرجع الأقوى في التشريع؛ لأن الأصل فيها وجوب الاتباع، وقد تنصرف عن الوجوب إلى الاستحباب أو الحِل بقرائن أخرى، ومن الشواهد على ذلك ما يلي:


1. ما رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (ج: 3 ، ص: 146). وقد اتفق العلماء أن نصف الحديث الأول ينصرف إلى الوجوب فتبطل صلاة غير المتوضأ، كما اتفق أكثرهم على أن التسمية مستحبة ويستحب الوضوء بغيرها إلا عند الزيدية فهي ركن، وهو حديث بلفظ واحد.


2. مارواه مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم   قال: "يا أهل المدينة ! لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث . فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم   أن لهم عيالا وحشما وخدما . فقال صلى الله عليه وسلم   : كلوا وأطعموا واحبسوا أو ادخروا"  ( المسند الصحيح  ، ص1973) لا يفيد الحديث وجوب ادخار لحوم الأضاحي أو الندب بل يشير إلى الإباحة فقط، حيث كان الحظر بسبب الفقراء الذي وفدوا إلى "منى" فنهاهم عن الادخار توسعة عليهم، ثم أباح الادخار.

 


ثانيا: السنة الفعلية:

وهي أقل في قوة التشريع من السنة القولية حيث إن فيها ما يلي:


1. ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم   وثبت أنه مختص به دون أمته ومن ذلك: الوصال في الصوم، ونكاحه أكثر من أربع زوجات، ووجوب قيامه الليل، .. الخ، وهذا مما لايجوز اتباع النبي صلى الله عليه وسلم   فيه.


2. ما وقع من أفعاله صلى الله عليه وسلم   بحكم بشريته وجبلَّته من استحسانه صلى الله عليه وسلم  مطعما أو مشربا أو مسكنا أو ملبسا أو مركبا أو لونا على آخر، فهذا ليس من التشريع في شيء ، ولذلك نجده صلى الله عليه وسلم   يوسع على أمته في هذه الجوانب فنجده صلى الله عليه وسلم   يقول فيما روى الإمام أحمد بسنده عن جد عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم   قال: "كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا، في غير مخيلة ولا سرف إن الله يحب أن ترى نعمته على عبده" (مسند الإمام أحمد، إسناده صحيح، ص 10/178 )، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الصحابة والتابعين والمجاهدين ينطلقون في الأمصار فاتحين يؤسسون العقيدة والأخلاق والشريعة ولم يغيروا أعراف وعادات الشعوب في ملابسهم ومآكلهم ومشاربهم ومراكبهم،

ووسعت هذه المنهجية العالم كله في استيعاب الأعراف التي لا تخالف أصول العقائد والأخلاق والشريعة، ووسع المسلمون الأعراف المحلية، وعلى سبيل المثال لا الحصر بقي مسلمو شرق آسيا قديما وحديثا قبل الإسلام وبعده يأكلون الطعام الحار، وبقي أهل المغرب يأكلون "الكسكس"، وأهل الشام يأكلون "المقلوبة" فلم يعدلوها حتى الآن!، وأهل مصر يأكلون "الكشري والمحشي"، وظل أهل الجزيرة حتى اليوم على أعرافهم في أكل "الكبسات المفعمة باللحم أو السمك"، فلم ينه الفاتحون قوما عن عوائدهم في الطعام ولم يفرضوا عليهم أعرافهم كما تفعل الأنظمة الغربية معا دائما.
ويضاف إلى ذلك أيضا شكل الحجاب الإسلامي وملابس الرجال فلم نعلم تاريخيا أنه كان ذا صبغة واحدة أو لون واحد حتى في كل البلاد الإسلامية حتى في أقوى عصور الخلافة الإسلامية.


3. الأفعال التعبدية:التي يقصد بها القربة إلى الله  وهذه يجب أو يستحب فيها الاتباع، كما روى التبريزي بسنده في مشكاة المصابيح عن النبي صلى الله عليه وسلم   : "صلُّوا كما رأَيتُموني أُصَلّي"، (ج: 2 ، ص: 375.) ، وروى السيوطي بسنده في جامع المسانيد والمراسيل عن النبي صلى الله عليه وسلم   : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا عَني مَنَاسِكَكُمْ، فَإني لاَ أَدْرِي لَعَلي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هٰذَا"، (ج: 9 ، ص: 132)، وفي فعله وهديه من الواجبات والمندوبات، فالسجود ركن والدعاء فيه مستحب، وكلاهما فعله النبي صلى الله عليه وسلم  .

 

 


ثالثا: السنة التركية:

وهي أضعف مما قبلها في وجوب الاتباع، وتحتاج إلى قرينة تفيد هل تركها صلى الله عليه وسلم   للتشريع أم للطبع أم لشيء آخر؟ ومن ذلك ما يلي:


1. ما تركه صلى الله عليه وسلم   جبلة، ومنه ما رواه البخاري بسنده في صحيحه عن خالدِ بن الوليد قال: "أُتي النبي صلى الله عليه وسلم   بضَبٍ مَشْويٍ، فأهوَى إليهِ ليأكلَ، فقيلَ له: إنهً ضَبّ، فأمسكَ يدَه. فقال خالدٌ: أحرامٌ هوَ؟ قال: لا، ولكنَّهُ لا يكون بأرضِ قَومي، فأجِدُني أعافُه. فأكلَ خالدٌ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم   يَنظر" ، (ج: 10 ، ص: 680 ). وكان يحب أن يأكل من الشاة ذراعها ويترك بقيتها، ويستعذب ماء بئر ويترك غيره. ولم يفهم أصحابه  أن في هذه التروك تشريعا لأنها تتعلق بالذوق الخاص بكل إنسان.

 


2. ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم   تشريعا لأمته، ومنه ترك مصافحة النساء في كل بيعة، بل في حياته كلها، روى البخاري في صحيحه بسنده عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها قالت: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم    يبايع النساء بالكلام بهذه الآية: " لا يشركن باللَّه شيئاً " [الممتحنة : 12] ، قالت: وما مسَّتْ يدُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم    يدَ امرأةٍ إلا امرأةً يملكها) (ج: 15 ، ص: 116) ، فهذا الترك تشريع، حيث امتنع عن المصافحة وهو الأقوى في امتلاكه لإربه مما يوجب اتباعه فيه.

 


3. ترك النبي صلى الله عليه وسلم   الشيء مخافة أن يفرض على أمته، ومنه ما رواه مسلم بسنده في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم   صَلَّىٰ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَصَلَّىٰ بِصَلاَتِهِ نَاسٌ. ثُمَّ صَلَّىٰ مِنَ الْقَابِلَةِ. فَكَثُرَ النَّاسُ. ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ . فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ. فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ"، (ج: 6 ،ص: 35.) ،  فتركُه صلى الله عليه وسلم   صلاة التراويح في المسجد كان خشية أن تفرض عليهم، ولم يمنع هذا الترك عمر  أن يجمع الصحابة في صلاة التراويح كل ليلة في رمضان، ولم ينكر عليه أحد منهم أنه مبتدع لمخالفته ماتركه النبي صلى الله عليه وسلم  ، بل دعا الإمام علي كرم الله وجهه لعمر  بقوله: "نوَّر الله قبره كما نوّر مساجدنا بقراءة القرآن في رمضان".

 


4. ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم   مخافة الفتنة، ومنه عدم قتل المنافقين خشية أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وتركه إعادة بناء الكعبة على قواعدها الأولى لأن القوم حديثوعهد بالإسلام. وهذا أمر يوجب الاتباع من العلماء والمفتين والحكام والقادة في مراعاة فقه المآلات والموازنات حيث قد يُترك أمر صحيح دفعا لمفسدة كبيرة متوقعة أكبر من مصلحة الفعل.

 

 

رابعا: السنة التقريرية:

 هذه السنة التقريرية نوعان: نوع ثبت علم النبي صلى الله عليه وسلم   به وسكت عنه، ونوع لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم   علمه مع حدوثه في زمنه، ولا يعد من السنة التقريرية إلا بإثبات علم النبي صلى الله عليه وسلم  ، ثم سكوته وعدم الإنكار. أما ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم   وسكت عنه فإنها سنة تقريرية لا تفيد الوجوب أو الاستحباب وإنما تفيد الإباحة. ومنه مارواه عبدالرحمن بن جبيرعن عمرو بن العاص  قال: "احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن أغتسل فأهلك ، فتيممت ، ثم صليت بأصحابي الصبح . فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم   فقال : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول :     { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فضحك رسول  صلى الله عليه وسلم   ولم يقل شيئا" (فتح الباري لابن حجر  -  ص 1/541  ).


فضحِكُ النبي صلى الله عليه وسلم   إقرار يفيد حل التيمم إذا أشفق الإنسان على نفسه من برودة الماء، وإن  كنت أرى الأمر قد يصل إلى الوجوب إذا تقين المسلم أن ضررا محققا سيصيبه إن اغتسل بالماء البارد.
أحسب بعد هذا العرض أننا بحاجة إلى التبيّن في الاتباع هل ما قاله صلى الله عليه وسلم   أو فعله أو تركه أو أقرّه يدخل في إطار وجوب الاتباع أم الحرمة أو الندب أو الكراهة أو الحِل، فالأحكام التكليفية الخمسة تنطبق عليها، هذا فضلا عن كون كل نوع من أنواع السنة له درجة في قوة التشريع والاتباع.

ولعل في الجدول التالي مايوضح ذلك:

 


 

سنة النبي r

تقريرية

تركية

فعلية

قولية

الأنواع:

عَلِم به وسكت عنه

مخافة الفتنة

مخافة أن تفرض على أمته

تشريعية

جبلية

غير مختص به

مختص به

نهي

أمر

الأقسام:

الإباحة فقط

مراعاة التخفيف وفقه المآلات

الحرمة

الكراهة

لا يجب الاتباع

الوجوب

الإباحة

الاستحباب

لا يجوز الاتباع

الحرمة

الكراهة

الوجوب

الإباحة

الاستحباب

الحكم:




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق