عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   


الزبير بن العوّام
حواريّ رسول الله
طلحه و الزبير رضي الله عنهما


لا يجيء ذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه..ولا يجيء ذكر الزبير الا ويذكر طلحة معه فحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤاخي بين أصحابه في مكة قبل الهجرة، آخى بين طلحة والزبير وطالما كان عليه السلام يتحدث عنهما معا.. مثل قوله:طلحة والزبير جاراي في الجنة
وكلاهما يجتمع مع الرسول في القرابة والنسب أما طلحة، فيجتمع في نسبه مع الرسول في مرة بن كعب وأما الزبير، فيلتقي في نسبه مع الرسول في قصّي بن كلاّب فهو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب و هو بذلك ابن أخي أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها كما أن أمه صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وكل منهما طلحة والزبير كان أكثر الناس شبها بالآخر في مقادير الحياة..فالتماثل بينهما كبير، في النشأة، في الثراء، في السخاء، في قوة الدين، في روعة الشجاعة وكلاهما من المسلمين المبكرين بإسلامهم...ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالجنة ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر اختيار الخليفة من بعده وحتى مصيرهما كان كامل التماثل.. بل كان مصيراً واحداً

 

 

إسلامه رضي الله عنه


ولقد أسلم الزبير، إسلاما مبكرا، اذ كان واحداً من السبعة الأوائل الذين سارعوا الى الاسلام، وأسهموا في طليعته المباركة في دار الأرقم وكان عمره يومئذ خمس عشر سنة.. وهكذا رزق الهدى والنور والخير صبياً فقد أسلم بعد أبي بكر رضي الله عنه بيسير و كان رابعاً أو خامساً في الإسلام
ولقد كان فارساً ومقداماً منذ صباه حتى ان المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شهر في الاسلام كان سيف الزبير ففي الأيام الأولى للإسلام، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم سرت اشاعة ذات يوم أن الرسول قتل فما كان من الزبير الا أن استلّ سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة، على حداثة سنه كالإعصار..ذهب أولا يتبيّن الخبر، معتزماً ان ما ألفاه صحيحاً أن يعمل سيفه في رقاب قريش كلها حتى يظفربهم أو يظفروا به وفي أعلى مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله ماذا به....؟ فأنهى اليه الزبير النبأ.. فصلى عليه الرسول، ودعا له بالخير، ولسيفه بالغلب وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد حمل حظه من اضطهاد قريش وعذابها وكان الذي تولى تعذيبه عمه.. كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب: أكفر برب محمد، أدرأ عنك العذاب فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ، غضّ العظام.. يجيب عمه في تحدّ رهب: لا والله لا أعود لكفر أبداً ويهاجر الزبير الى الحبشة، الهجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع رسول الله. لا تفتقده غزوة ولا معركة

 

 

جهاده رضي الله عنه


وما أكثر الطعنات التي تلقاها جسده واحتفظ بها بعد اندمال جراحاتها، أوسمة تحكي بطولة الزبير وأمجاده.. ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التي تزدحم على جسده، يحدثنا عنها فيقول: صحبت الزبير بن العوّام في بعض أسفاره ورأيت جسده، فرأيته مجذّعا بالسيوف، وان في صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي فقلت له: والله لقد شهدت بجسمك ما لم أره بأحد قط
فقال لي: أم والله ما منها جراحة الا مع رسول الله وفي سبيل الله
وقال علي بن أبي طالب : أشجع الناس الزبير و لا يعرف قدر الرجال إلا الرجال

وفي غزوة بدر يقول الزبير : لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص و هو مدجج لا يرى الا عيناه و كان يكنى أبا ذات الكرش فحملت عليه بالعنزه فطعنته في عينه فمات فأخبرت أن الزبير قال : لقد وضعت رجلي عليه فكان الجهد أن نزعتها فاقد انثنى طرفها رواه البخاري

 

وفي غزوة أحد رأى النبي صلى الله عليه و سلم رجلاً يقتل المسلمين قتلاً عنيفاً فقال : قم إليه يا زبير فرقى اليه الزبير حتى إذا علا فوقه اقتحم عليه فاعتنقه فأقبلا ينحدران حتى وقعا على الارض فوقع الزبير على صدره و قتله

 

وفي غزوة أحد ايضاً بعد أن انقلب جيش قريش راجعاً الى مكة و ندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش قريش ومطاردته حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا في الرجوع الى المدينة واستئناف القتال

 

وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشاً منتصراً فإن اللباقة الحربية التي استخدمها الصديق والزبير، جعلت قريشاً تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين، وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التي أجاد الزبير مع الصديق إبراز قوتها، وما هي الا مقدمة لجيش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة فأغذّت قريش سيرها، وأسرعت خطاها الى مكة

 

ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده.. فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح هو: الله أكبر واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربا بسيفه.. ثم قفل راجعاً وسط الصفوف الرهيبة ذاتها، وسيف يتوهج في يمينه لا يكبو، ولا يحبو

 

وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشهادة، عظيم الغرام بالموت في سبيل الله وكان يقول: ان طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد...واني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون
وهكذا سمى ولده، عبدالله بن الزبير تيمناً بالصحابي الشهيد عبدالله بن جحش
وسمى ولده المنذر، تيمناً بالشهيد المنذر بن عمرو
وسمى عروة تيمناً بالشهيد عروة بن عمرو
وسمى حمزة تيمناً بالشهيد الجليل عم الرسول حمزة بن عبدالمطلب
وسمّى جعفر، تيمناً بالشهيد الكبير جعفر بن أبي طالب
وسمى مصعبا تيمناً بالشهيد مصعب بن عمير
وسمى خالد تيمناً بالصحابي الشهيد خالد بن سعيد
وهكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشهداء راجياً أن يكونوا يوم تأتيهم آجالهم شهداء

 

ولقد قيل في تاريخه: انه ما ولي إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجاً ولا شيئا إلا الغزو في سبيل الله وكانت ميزته كمقاتل، تتمثل في في اعتماده التام على نفسه، وفي ثقته التامة بها فلو كان يشاركه في القتال مائة ألف، لرأيته يقاتل وحده في لمعركة.. وكأن مسؤولية القتال والنصر تقع على كاهله وحده وكان فضيلته كمقاتل، تتمثل في الثبات، وقوة الأعصاب

 

رأى مشهد خاله حمزة يوم أحد وقد كثّل المشركون بجثمانه القتيل في قسوة، فوقف أمامه كالطود ضاغطاً على أسنانه، وضاغطاً على قبضة سيفه، لا يفكر إلا في ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحي ينهى الرسول والمسلمين عن مجرّد التفكير فيه

 

وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي ابن أبي طالب، فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله:والله لنذوقنّ ما ذاق حمزة، أو لنفتحنّ عليهم حصنهم ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن وبقوة أعصاب مذهلة، أحكما انزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين

 

ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة.. أبصره بعد هزيمتهم في حنين واقفاً وسط فيلق من أصحابه، وبقايا جيشه المنهزم، فاقتحم حشدهم وحده، وشتت شملهم وحده، وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين، العائدين من المعركة

 

وحين قصد عمرو بن العاص مصر لفتحها وكانت قواته تبلغ ثلاثة الاف و خمسمائة رجل فكتب الى عمر بن الخطاب يستمده فأرسل الزبير بن العوام في اثني عشر ألفاً وقيل أرسا عمر أربعة الاف رجل عليهم من الصحابة الكبار الزبير و المقداد بن الأسود و عبادة بن الصامت و مسلمة بن مخلد و كتب اليه: إني أمددتك بأربعة الاف على كل ألف منهم رجل مقام ألف و كان الزبير على رأس هؤلاء الرجال

 

 

حب رسول الله صلى الله عليه وسلم له رضي الله عنه


ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباهي به ويقول: ان لكل نبي حواريا وحواريي الزبير بن العوّام ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب، ولا زوج أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، بل كان ذلك الوفي القوي، والشجاع الأبيّ، والجوّاد السخيّ، والبائع نفسه وماله لله رب العالمين

و عن عبد الله بن الزبير قال: كنت يوم الاحزاب جعلت أنا و بن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف الى بني قريظة مرتين أو ثلاثاً فلما رجعت قلت : يا أبت رأيتك تختلف
قال : أوهل رأيتني يا بني ؟
قلت : نعم
قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم ؟
فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبويه فقال : فداك أبي و أمي وهذه الفضيلة ثابتة ايضاً لسعد بن ابي وقاص

 

ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال:

حواريّه والقول بالفعل يعدل   أقام على عهد النبي وهديه
يوالي وليّ الحق، والحق أعدل   أقام على منهاجه وطريقه
يصول، اذا ما كان يوم محجّل   هو الفارس المشهور والبطل الذي
ومن نصرة الاسلام مجد موثّل   له من رسول الله قربى قريبة
عن المصطفى، والله يعطي ويجزل   فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه

 

 

فضله رضي الله عنه
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة

وعن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاحزاب : من يأتينا بخبر القوم ؟
فقال الزبير : أنا
ثم قال : من يأتينا بخبر القوم ؟
فقال الزبير : أنا
ثم قال : من يأتينا بخبر القوم ؟
فقال الزبير : أنا
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ان لكل نبي حوارياً و ان حواري الزبير
و عن عروة بن الزبير قال : قالت لي عائشة رضي الله عنها : كان أبواك من الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح

 

 

كرمه  رضي الله عنه


وكان رفيع الخصال، عظيم الشمائل.. وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، وكان ثراؤه عريضاً، ولكنه أنفقه في الاسلام حتى مات مدينا
وكان توكله على الله منطلق جوده، ومنطلق شجاعته وفدائيته حتى وهو يجود بروحه، ويوصي ولده عبدالله بقضاء ديونه قال له: اذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي وسأل عبدالله: أي مولى تعني..؟
فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير
يقول عبد الله فيما بعد: فوالله ما وقعت في كربة من دينه الا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه
كان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون اليه الخراج فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم الى منزله و ليس معه منه شئ

 

 

وفاته رضي الله عنه


وفي يوم الجمل و كان الزبير مقاتلاً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فناداه عليي فانفرد به و قال له : أتذكر إذ كنت أنا و أنت و رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر الي و ضحك و ضحكت فقلت أنت : لا يدع ابن ابي طالب زهوه فقال : "ليس بمزه و لتقاتلنه و أنت له ظالم" فذكر الزبير ذلك فانصرف عن القتال

و كان من خبره أيضاً : أنه لما انصرف يوم الجمل عن علي لقيه ابنه عبد الله فسأله عن انصرافه عن المعركة فقال : يا بني قد علم الناس أني لست جباناً ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فحلفت ألا اقاتله

ثم نزل رضي الله عنه بوادي السباع و قام يصلي فأتاه ابن جرموز فقتله وذهب القاتل الى الإمام علي يظن أنه يحمل اليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير، وحين يضع بين يديه سيفه الذي استلبه منه، بعد اقتراف جريمته..لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن، صاح آمراً بطرده قائلاً: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار وحين أدخلوا عليه سيف الزبير، قبّله الامام وأمعن بالبكاء وهو يقول: سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله


سلام على الزبير في مماته بعد محياه..سلام، ثم سلام، على حواري رسول الله




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق