إنّ لاجتماع قريش للتشاور في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهداً من كتاب الله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} (الأنفال: 30)، ومما يقوي اجتماعات قريش في دار الندوة استفاضتها، وورودها من عدة طرق، يشد بعضها بعضاً().
قال ابن إسحاق: (( ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً، وأصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه )).
قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (( لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزّحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتلة، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأياً ونصحاً، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش، من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل، ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البختري بن هشام، وزَمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام، ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش )).
وبعد تداول الآراء وتقليب وجهات النظر اتفقوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلّم باختيار شاب من كل قبيلة ينفذون الخطة حتى يضيع دمه بين القبائل.