كتاب نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية
كتبت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ إلى معاوية كتابًا مع النعمان بن بشير وبعثت إليه بقميص عثمان مخضبًا بالدماء. وهذا هو نص كتابها:
من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان "أما بعد، فإني أدعوكم إلى اللَّه الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة. وأنقذكم من الكفر. ونصركم على العدو. وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. وأنشدكم اللَّه وأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعزم اللَّه عليكم فإنه قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فإن أمير المؤمنين بُغي عليه، ولو لم يكن لعثمان عليكم إلا حق الولاية لحق على كل مسلم يرجو إمامته أن ينصره، فكيف وقد علمتم قدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب اللَّه وصدق كتابه، واتبع رسوله، واللَّه أعلم به، إذ انتخبه فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة! وإني أقص عليكم خبره. إني شاهدة أمره كله. إن أهل المدينة حصروه في داره، وحرسوه ليلهم ونهارهم، قيامًا على أبوابه بالسلاح يمنعونه من كل شيء قدروا عليه حتى منعوه الماء، فمكث هو ومن معه خمسين ليلة وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير فأمروهم بقتله. وكان معهم من القبائل خزاعة وسعد بن بكر وهذيل وطوائف من جهينة ومزينة وأنباط يثرب. فهؤلاء كانوا أشد الناس عليه.
ثم إنه حصر، فرشق بالنبل، فجرح ممن كان في الدار ثلاثة نفر. فأتاه الناس يصرخون إليه ليأذن لهم في القتال فنهاهم وأمرهم أن يردوا إليهم نبلهم فردوها عليهم. فما زادهم ذلك في القتل إلا جرأة وفي الأمر إلا إغراقًا فحرقوا باب الدار. ثم جاء نفر من أصحابه فقالوا: إن ناسًا يريدون أن يأخذوا من الناس بالعدل فاخرج إلى المسجد يأتوك فانطلق فجلس فيه ساعة وأسلحة القوم مطلة عليه من كل ناحية. فقال: ما أرى اليوم أحدًا يعدل. فدخل الدار وكان معهم نفر ليس على عامتهم سلاح. فلبس درعه وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لبست اليوم درعي. فوثب عليه القوم فكلَّمهم ابن الزبير وأخذ عليهم ميثاقًا في صحيفة بعث بها إلى عثمان. عليكم عهد اللَّه وميثاقه أن لا تقربوه بسوء حتى تكلّموه وتخرجوا. فوضع السلاح، ودخل عليه القوم يقدمهم محمد بن أبي بكر. فأخذ بلحيته ودعوا باللقب. فقال: أنا عبد اللَّه وخليفته عثمان فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات وضربوه على مقدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم، فسقطت عليه، قد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون أن يقطعوا رأسه فيذهبوا به فأتتني ابنة شيبة بن ربيعة فألقت بنفسها معي فوطئنا وطئًا شديدًا عُرِّينا من حلينا وحرمة أمير المؤمنين أعظم. فقتلوا أمير المؤمنين في بيته مقهورًا على فراشه. وقد أرسلت إليكم بثوبه عليه دمه فإنه واللَّه إن كان أثم من قتله فما سلم من خذله. فانظروا أين أنتم من اللَّه، وأنا أشتكي كل ما مسنا إلى اللَّه عز وجل وأستصرخ بصالحي عباده. فرحم اللَّه عثمان ولعن قتلته وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة وشفى منهم الصدور".
فحلف رجال من أهل الشام أن لا يمسوا غسلًا حتى يقتلوا عليًّا أو تفنى أرواحهم.
وهذا كتاب طويل ذكرت فيه زوجة عثمان تفاصيل قتله بعد أن فجعت بفقده، لكنها لم تذكر أسماء من باشروا القتل. وقد كانت نائلة من أخلص المخلصين لزوجها، ودافعت عنه بقدر طاقتها، وعرضت نفسها للقتل. وهكذا فليكن الوفاء والإخلاص. وقد حرضت معاوية والمسلمين بهذا الكتاب على الأخذ بالثأر.
المقال السابق
المقال التالى