ثالثًا: الأدلة النظرية على نبوة سيد البرية صلى الله عليه وسلم:
ناقشنا فيما سبق بشارات الأنبياء السابقين بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم تبعنا ذلك بذكر شيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذان الأمران يندرجان تحت الأدلة النقلية على نبوة الرسول الكريم، أما الأدلة النظرية والمتمثلة في خلقه صلى الله عليه وسلم وشريعته والبيئة التي أرسل فيها، فهذا ما سوف نناقشه في الصفحات القادمة، ولقد اخترنا لمناقشة هذا الأمر قصة عظيم الروم هرقل مع أبي سفيان بعد أن جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فإن هرقل لما جاءه هذا الكتاب بحث وسأل وحاور أبا سفيان عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ودعوته حتى استدل وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النبي المنتظر.
وهذا المنهج الذي اتبعه هرقل هو منهج نظري بحثي اعتمد على التفكر في الوقائع والتأمل في الأحداث التي لا يستطيع أن يشكك فيها، ولعل هرقل وكان على علم بالدين النصراني قد استقي هذا المنهج مما ورد في الرسالة الأولى ليوحنا؛ حيث جاء "أيها الأحياء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من اللّه، لأن الأنبياء الكذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم"، فهذا القول لم ينف وجود نبي منتظر يخرج في آخر الزمان ولكن دعا إلى امتحان واختبار من يعلن نفسه نبيًا حتى يتم التأكد من نبوته والتمييز بين الصادق والكاذب، وهو ما اتبعه هرقل حتى جزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم الذي بشرت به الكتب السابقة.
وجاء في إنجيل متي وصف النبي المنتظر والصالحين بالقول المنسوب لعيسي عليه السلام: "من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً"، فهذه دعوة إلى النظر في مبادئ الرسالة وثمارها لمعرفة الحق من الباطل.
لذلك فإنه إذا كان الغرب يزعم اليوم أنه أهل المعرفة والبحث فإننا ندعوه إلى أن يبحث في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل هرقل، ولا نستدل عليه بالبشارات والمعجزات، ولكننا نستدل بوقائع وأحداث ومبادئ لا يشكك فيها أحد ولا يختلف عليها اثنان، فأين العقول النيرة والعيون المبصرة والقلوب الواعية.
المقال السابق
المقال التالى