يقول إميل درمنغم : " كان كثير من المسلمين يكثرون من ... الصلاة والصوم، فرأى محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ أن القصد أولى من الإفراط. فأشار بالاعتدال في التقشف وبترك كل ما يميت النفس، وحدث أن بعضهم قادوا أنفسهم إلى الحج بربط أنوفهم بأرسان الجمال فقطع محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ هذه الأرسان؛ لأن الله ليست له حاجة بجدع الأنوف !" [1] .
ومثال ذلك قصة الثلاثة الذين سألوا عن عبادة الرسول، ~ صلى الله عليه و سلم ~ فلما علموا ذلك كأنّهم تقالّوها! فقال أحدهم: أمّا أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أمّا أنا فأصّلي الليل أبدًا، وقال الآخر: لا أتزوجّ النساء، فقال ~ صلى الله عليه و سلم ~ : " أأنتم الذين قلتم كذا وكذ ؟؟ أمَا والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكنيّ أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منِّي" [2] !
و قد جاء رجل إلى النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ فقال: إنّي لأتأخرّ عن صلاة الصّبح من أجل فلان مما يطيل بنا.. قال أبو مسعود الأنصاري - راوي الحديث -: فما رأيتُ النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ غضب في موعظة قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذ، فقال:
" أيّها الناس !! إن منكم منفّرين ! فأيّكم أمَّ النّاس فليوجز، فإنَّ من ورائه الكبير، والضعيف، وذا الحاجة" [3] .
و عن أنس بن مالك أن النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ رأى شيخًا يهادي بين ابنيه، فقال:
"ما بال هذا؟" . قالوا: نذر أن يمشي، قال: " إنَّ الله عن تعذيب هذا لنفسه لغني" . وأمره أن يركب [4] ..
ودخل مرَّة المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ فقالوا: حبل لزينب، فإذا فترت تعلَّقت به، فقال ~ صلى الله عليه و سلم ~ : " حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد " [5] ..
وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله، ~ صلى الله عليه و سلم ~: " إيَّاكم والغلوّ في الدّين فإنَّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين " [6] ..
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله ~ صلى الله عليه و سلم ~ : " هلك المتنطّعون !!!" قالها ثلاثًا
[7] .
وعن أنس بن مالك أن رسول الله، ~ صلى الله عليه و سلم ~ كان يقول: : " لا تُشّددوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم، فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامع والدّيارات رهبانيَّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم " [8] .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] اميل درمنغم : حياة محمد ، ص 297 – 298. ولم أبحث في صحة هذه القصة .
[2] صحيح – رواه البخاري (6/116). ومسلم بمعناه (2/1020) رقم 1401.
[3] صحيح – رواه البخاري (1/172، 173). ومسلم (1/340) رقم 466، 467
[4] صحيح - رواه البخاري (7/234). ومسلم (3/1263، 1264) رقم 1642، 1643.
[5] صحيح - رواه البخاري (2/48). ومسلم (1/542) رقم (784).
[6] صحيح - رواه النسائي (5/268) برقم 3057 . وابن ماجة (2/1008) برقم 3029 وأحمد (1/215، 347)، وصححه الحاكم (1/466)، ووافقه الذهبي، وصححه - أيضًا- الألباني كما في السلسلة الصحيحة رقم 1283، وصحيح الجامع رقم 2680.
[7] صحيح - رواه مسلم (4/2055) برقم (2670). وأبو داود (4/201) برقم 4608. وأحمد (1/386).
[8] حسن – رواه أبو داود (4/276، 277) رقم 4904، وأبو يعلى، في المطالب العالية (1/117) رقم 422 وفي إسناد هذا الحديث: سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء؛ مختلف في توثيقه. قال الحافظ في التقريب ص (238) مقبول. وقال - أيضًا - في التهذيب (4/57): ذكره ابن حبان في الثقات، وروى له أبو داود حديثًا واحدًا.. وذكر هذا الحديث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/259): رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء وهو ثقة! وضعف هذا الحديث الألباني كما في ضعيف الجامع رقم (6232)، والأقرب حسن هذا الإسناد. والله أعلم.