هديه في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث 2
فصل
ثم أسرى برسول الله بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا على البراق صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما وربط البراق بحلقة باب المسجد وقد قيل إنه نزل ببيت لحم وصلى فيه ولم يصح ذلك عنه البتة ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا فاستفتح له جبريل ففتح له فرأى هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوته وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره ثم عرج به إلى السماء الثانية فاستفتح له فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم فلقيهما وسلم عليهما فردا عليه ورحبا به وأقرا بنبوته ثم عرج به إلى السماء الثالثة فرأى فيها يوسف فسلم عليه فرد عليه ورحب به وأقر بنبوته عرج به إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران فسلم عليه ورجب به وأقر بنبوته فلما جاوزه بكى موسى فقيل له ما يبكيك فقال أبكي لأن غلاما بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم رفع له البيت المعمور ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض عليه خمسين صلاة فرجع حتى مر على موسى فقال له بم أمرت قال بخمسين صلاة قال إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار أن نعم إن شئت فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه
هذا لفظ البخاري في بعض الطرق فوضع عنه عشرا ثم أنزل حتى مر بموسى فأخبره فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل حتى جعلها خمسا فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف فقال قد استحييت من ربي ولكن أرضى وأسلم فلما بعد نادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادى واختلف الصحابة هل رأى ربه تلك الليلة أم لا فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه وصح عنه أنه قال رآه بفؤاده وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) (النجم : 13 ) إنما هو جبريل وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال نور أنى أراه أي حال بيني وبين رؤيته النور كما قال في لفظ آخر رأيت نورا وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وليس قول ابن عباس إنه رآه مناقضا لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه وعلى هذا بنى الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقال نعم رآه حقا فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد ولكن لم يقل أحمد رحمه الله تعالى إنه رآه بعيني رأسه يقظة ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه ولكن قال مرة رآه ومرة قال رآه بفؤاده فحكيت عنه روايتان وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك وأما قول ابن عباس أنه رآه بفؤاده مرتين فإن كان استناده إلى قوله تعالى ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) ( النجم 11 ) ثم قال ( ولقد رآه نزلة أخرى ) ( النجم 13 ) والظاهر أنه مستنده فقد صح عنه أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين في صورته التي خلق عليها وقول ابن عباس هذا هو مستند الإمام أحمد في قوله رآه بفؤاده والله أعلم وأما قوله تعالى في سورة النجم ( ثم دنى فتدلى ) ( النجم 8 ) فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء فإن الذي في ( سورة النجم ) هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود والسياق يدل عليه فإنه قال ( علمه شديد القوى ) ( النجم 5 ) وهو جبريل ( ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى ) ( النجم 8-6 ) فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة وهو الذي استوى بالأفق الأعلى وهو الذي دنى فتدلى فكان من محمد قدر قوسين أو أدنى فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتدليه ولا تعرض في ( سورة النجم ) لذلك بل فيها أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وهذا هو جبريل رآه محمد على صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى والله أعلم
فصل
فلما أصبح رسول الله في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى فاشتد تكذيبهم له وأذاهم وضراوتهم عليه وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس فجلاه الله له حتى عاينه فطفق يخبرهم عن آياته ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه وأخبرهم عن وقت قدومها وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها وكان الأمر كما قال فلم يزدهم ذلك إلا نفورا وأبي الظالمون إلا كفورا
فصل
وقد نقل ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية أنهما قالا إنما كان الإسراء بروحه ولم يفقد جسده ونقل عن الحسن البصري نحو ذلك ولكن ينبغي أن يعلم الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده وبينهما فرق عظيم وعائشة ومعاوية لم يقولا كان مناما وإنما قالا أسري بروحه ولم يفقد جسده وفرق بين الأمرين فإن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصور المحسوسة فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء أو ذهب به إلى مكة وأقطار الأرض وروحه لم تصعد ولم تذهب وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال والذين قالوا عرج رسول الله طائفتان طائفة قالت عرج بروحه وبدنه وطائفة قالت عرج بروحه ولم يفقد بدنه وهؤلاء لم يريدوا أن المعراج كان مناما وإنما أرادوا أن الروح ذاتها أسري بها وعرج بها حقيقة وباشرت من جنس ما تباشر بعد المفارقة وكان حالها في ذلك كحالها بعد المفارقة في صعودها إلى السماوات سماء سماء حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فتقف بين يدي الله عز وجل فيأمر فيها بما يشاء ثم تنزل إلى الأرض والذي كان لرسول الله ليلة الإسراء أكمل مما يحصل للروح عند المفارقة ومعلوم أن هذا أمر فوق ما يراه النائم لكن لما كان رسول الله في مقام خرق العوائد حتى شق بطنه وهو حي لا يتألم بذلك عرج بذات روحه المقدسة حقيقة من غير إماتة ومن سواه لا ينال بذات روحه الصعود إلى السماء إلا بعد الموت والمفارقة فالأنبياء انما استقرت أرواحهم هناك بعد مفارقة الأبدان وروح رسول الله صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت وبعد وفاته استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومع هذا فلها إشراف على البدن وإشراق وتعلق به بحيث يرد السلام على من سلم عليه وبهذا التعلق رأى موسى قائما يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة ومعلوم أنه لم يعرج بموسى من قبره ثم رد إليه وإنما ذلك مقام روحه واستقرارها وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها فرآه يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة كما أنه في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقرا هناك وبدنه في ضريحه غير مفقود وإذا سلم عليه المسلم رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ولم يفارق الملأ الأعلى ومن كثف إدراكه وغلظت طباعه عن إدراك هذا فلينظر إلى الشمس في علو محلها وتعلقها وتأثيرها في الأرض وحياة النبات والحيوان بها هذا وشأن الروح فوق هذا فلها شأن وللأبدان شأن وهذه النار تكون في محلها وحرارتها تؤثر في الجسم البعيد عنها مع أن الارتباط والتعلق الذي بين الروح والبدن أقوى وأكمل من ذلك وأتم فشأن الروح أعلى من ذلك وألطف
( فقل للعيون الرمد إياك أن تري % سنا الشمس فاستغشي ظلام اللياليا )
فصل
قال موسى بن عقبة عن الزهري عرج بروح رسول الله إلى بيت المقدس وإلى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة وقال ابن عبدالبر وغيره كان بين الإسراء والهجرة سنة وشهران انتهى وكان الإسراء مرة واحدة وقيل مرتين مرة يقظة ومرة مناما وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك وقوله ثم استيقظت وبين سائر الروايات ومنهم من قال بل كان هذا مرتين مرة قبل الوحى لقوله في حديث شريك وذلك قبل أن يوحى إليه ومرة بعد الوحي كما دلت عليه سائر الأحاديث ومنهم من قال بل ثلاث مرات مرة قبل الوحي ومرتين بعده وكل هذا خبط وهذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النقل الذين رأوا في القصة لفظة تخالف سياق بعض الروايات جعلوه مرة أخرى فكلما اختلف عليهم الروايات عددوا الوقائع والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه مرارا كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسا ثم يقول أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين ثم يحطها عشرا عشرا وقد غلط الحفاظ شريكا في ألفاظ من حديث الإسراء ومسلم أورد المسند منه ثم قال فقدم وأخر وزاد ونقص ولم يسرد الحديث فأجاد رحمه الله
فصل
في مبدأ الهجرة التي فرق الله فيها بين أوليائه وأعدائه وجعلها مبدأ لإعزاز دينه ونصر عبده ورسوله قال الواقدي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان وغيرهما قالوا أقام رسول الله بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيا ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي المواسم بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم بها العجم فإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة وأبو لهب وراءه يقول لا تطيعوه فإنه صابىء كذاب فيردون على رسول الله اقبح الرد ويؤذونه ويقولون أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك وهو يدعوهم إلى الله ويقول اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا قال وكان ممن يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله ودعاهم وعرض نفسه عليهم بنو عامر بن صعصعة ومحارب بن حصفة وفزارة وغسان ومرة وحنيفة وسليم وعبس وبنو النضر وبنو البكاء وكندة وكلب والحارث بن كعب وعذرة والحضارمة فلم يتسجب منهم أحد
فصل
وكان مما صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة أن نبيا من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم وكانت الأنصار يحجون البيت كما كانت العرب تحجه دون اليهود فلما رأى الأنصار رسول الله يدعو الناس إلى الله عز وجل وتأملوا أحواله قال بعضهم لبعض تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه وكان سويد بن الصامت من الأوس قد قدم مكة فدعاه رسول الله فلم يبعد ولم يجب حتى قدم أنس بن رافع أبو الحيسر في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله إلى الإسلام فقال إياس بن معاذ وكان شابا حدثا يا قوم هذا والله خير مما جئنا له فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى المدينة
فصل
ثم إن رسول الله لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ورافع بن مالك وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر وجابر بن عبدالله بن رئاب فدعاهم رسول الله إلى الإسلام فأسلموا ثم رجعوا إلى المدينة فدعوهم إلى الإسلام ففشا الإسلام فيها حتى لم يبق دار إلا وقد دخلها الإسلام فلما كان العام المقبل جاء منهم اثنا عشر رجلا الستة الأول خلا جابر بن عبدالله ومعهم معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم وذكوان بن عبد القيس وقد أقام ذكوان بمكة حتى هاجر إلى المدينة فيقال إنه مهاجري أنصاري وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويمر بن مالك هم اثنا عشر وقال أبو الزبير عن جابر إن النبي لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ومجنة وعكاظ يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة فلا يجد أحدا ينصره ولا يؤويه حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام وبعثنا الله إليه فائتمرنا واجتمعنا وقلنا حتى متى رسول الله يطرد في جبال مكة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا بيعة العقبة قال له عمه العباس يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك إني ذو معرفة بأهل يثرب فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء أحداث فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى الفقه في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله فقالوا يا أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا وشرط يعطينا بذلك الجنة
ثم انصرفوا إلى المدينة وبعث معهم رسول الله عمرو بن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ويدعوان إلى الله عز وجل فنزلا على أبي أمامة أسعد بن زرارة وكان مصعب بت عمير يؤمهم وجمع بهم لما بلغوا أربعين فأسلم على يديهما بشر كثير منهم أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ وأسلم بإسلامهما يومئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء إلا أصيرم عمرو بن ثابت ابن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد وأسلم حينئذ وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة فأخبر عنه النبي فقال عمل قليلا وأجر كثيرا وكثر الإسلام بالمدينة وظهر ثم رجع مصعب إلى مكة ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين وزعيم القوم البراء بن معرور فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول من الليل تسلل إلى رسول الله ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان فبايعوا رسول الله فبايعوا رسول الله خفية من قومهم ومن كفار مكة على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم فكان أول من بايعة ليلتئذ البراء بن معرور وكانت له اليد البيضاء إذ أكد العقد وبادر إليه وحضر العباس عم رسول الله مؤكدا لبيعته كما تقدم وكان إذ ذاك على دين قومه واختار رسول الله منهم تلك الليلة اثني عشر نقيبا وهم أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبدالله بن رواحة ورافع بن مالك والبراء ابن معرور وعبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر وكان إسلامه تلك الليلة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وعبادة بن الصامت فهؤلاء تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس أسيد بن الحضير وسعد ابن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر وقيل بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه وأما المرأتان فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو وهي التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد وأسماء بنت عمرو بن عدي فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله أن يميلوا على أهل العقبة بأسيافهم فلم يأذن لهم في ذلك وصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمع يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول الله هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا يا معشر الخزرج إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا وايم الله ما حي من العرب أبغض إلينا من أن ينشب بيننا وبينه الحرب منكم فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين يحلفون لهم بالله ما كان هذا وما علمنا وجعل عبدالله بن أبي بن سلول يقول هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي ليفتاتوا علي مثل هذا لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامروني فرجعت قريش من عندهم
ورحل البراء بن معرور فتقدم إلى بطن يأجج وتلاحق أصحابه من المسلمين وتطلبتهم قريش فأدركوا سعد بن عبادة فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله وجعلوا يضربونه ويجرونه ويجذبونه بجمته حتى أدخلوه مكة فجاء مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه فإذا سعد قد طلع عليهم فوصل القوم جميعا إلى المدينة فأذن رسول الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة فبادر الناس إلى ذلك فكان أول من خرج إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة ولكنها احتبست دونه ومنعت من اللحاق به سنة وحيل بينها وبين ولدها سلمة ثم خرجت بعد السنة بولدها إلى المدينة وشيعها عثمان بن أبي طلحة ثم خرج الناس أرسالا يتبع بعضهم بعضا ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله وأبو بكر وعلي أقاما بأمره لهما وإلا من احتبسه المشركون كرها وقد أعد رسول الله جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج وأعد أبو بكر جهازه
فصل
فلما رأى المشركون أصحاب رسول الله قد تجهزوا وخرجوا وحملوا وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج وعرفوا أن دار الدار منعة وأن القوم أهل حلقة وشوكة وبأس فخافوا خروج رسول الله إليهم ولحوقه بهم فيشتد عليهم أمره فاجتمعوا في دار الندوة ولم يتخلف أحد من أهل الرأي والحجا منهم ليتشاوروا في أمره وحضرهم وليهم وشيخهم إبليس في صورة شيخ كبير من أهل نجد مشتمل الصماء في كسائه فتذاكروا أمر رسول الله فأشار كل أحد منهم برأي والشيخ يرده ولا يرضاه إلى أن قال أبو جهلقد فرق لي فيه رأي ما أراكم قد وقعتم عليه قالوا ما هو قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاما نهدا جلدا ثم نعطيه سيفا صارما فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك كيف تصنع ولا يمكنها معاداة القبائل كلها ونسوق إليهم ديته قال الشيخ لله در الفتى هذا والله الرأي قال فتفرقوا على ذلك واجتمعوا عليه فجاءه جبريل بالوحي من عند ربه تبارك وتعالى فأخبره بذلك وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة وجاء رسول الله إلى أبي بكر نصف النهار في ساعة لم يكن يأتيه فيها متقنعا فقال له أخرج من عندك فقال إنما هم أهلك يا رسول الله فقال إن الله قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحابة يا رسول الله فقال رسول الله نعم فقال أبو بكر فخذ بأبي وأمي إحدى راحلتى هاتين فقال رسول الله بالثمن وأمر عليا أن يبيت في مضجعه تلك الليلة واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه ويريدون بياته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها فخرج رسول الله عليهم فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم وهم لا يرونه وهو يتلو ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) ( يس 9 )
ومضى رسول الله إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلا وجاء رجل ورأى القوم ببابه فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال خبتم وخسرتم قد والله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب قالوا والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم وهم أبو جهل والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج فلما أصبحوا قام علي عن الفراش فسألوه عن رسول الله فقال لا علم لي به ثم مضى رسول الله وأبو بكر إلى غار ثور فدخلاه وضرب العنكبوت على بابه وكانا قد استأجرا عبدالله بن أريقط الليثي وكان هاديا ماهرا بالطريق وكان على دين قومه من قريش وأمناه على ذلك وسلما إليه راحليتهما وواعدا غار ثور بعد ثلاث وجدت قريش في طلبهما وأخذوا معهم القافة حتى انتهوا إلى باب الغار فوقفوا عليه ففي الصحيحين أن أبا بكر قال يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن فإن الله معنا وكان النبي وأبو بكر يسمعان كلامهم فوق رؤوسهما ولكن الله سبحانه عمى عليهم أمرهما وكان عامر بن فهيرة يرعى عليهما غنما لأبي بكر ويتسمع ما يقال بمكة ثم يأتيهما بالخبر فإذا كانت السحر سرح مع الناس قالت عائشة وجهزناهما أحث الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب وقطعت الأخرى فصيرتها عصاما لفم القربة فلذلك لقبت ذات النطاقين وذكر الحاكم في مستدركه عن عمر قال خرج رسول الله إلى الغار ومعه أبو بكر فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه حتى فطن له رسول الله فسأله فقال له يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك فقال يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني قال نعم والذي بعثك بالحق فلما انتهى إلى الغار قال أبو بكر مكانك يا رسول الله حتى أستبرىء لك الغار فدخل فاستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرىء الجحرة فقال مكانك يا رسول الله حتى أستبرىء الجحرة ثم قال انزل يا رسول الله فنزل فمكثا في الغار ثلاث ليال حتى خمدت عنهما نار الطلب
فجاءهما عبدالله بن أريقط بالراحلتين فارتحلا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة وسار الدليل أمامهما وعين الله تكلؤهما وتأييده يصحبهما وإسعاده يرحلهما وينزلهما ولما يئس المشركون من الظفر بها جعلوا لمن جاء بهما دية كل واحد منهما فجد الناس في الطلب والله غالب على أمره فلما مروا بحي بني مدلج مصعدين من قديد بصر بهم رجل من الحى فوقف على الحي فقال لقد رأيت آنفا بالساحل أسودة ما أراها إلا محمدا وأصحابه ففطن بالأمر سراقة بن مالك فأراد أن يكون الظفر له خاصة وقد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه فقال بل هم فلان وفلان خرجا في طلب حاجة لهما ثم مكث قليلا ثم قام فدخل خباءه وقال لخادمه اخرج بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه فلما قرب منهم وسمع قراءة رسول الله وأبو بكر يكثر الالتفات ورسول الله لا يلتفت فقال أبو بكر يا رسول الله هذا سراقة بن مالك قد رهقنا فدعا عليه رسول فساخت يدا فرسه في الأرض فقال قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما فادعوا الله لي ولكما علي ان أرد الناس عنكما فدعا له رسول الله فأطلق وسأل رسول الله أن يكتب له كتابا فكتب له أبو بكر بأمره في أديم وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة فجاءه بالكتاب فوفاه له رسول الله وقال يوم وفاء وبر وعرض عليهما الزاد والحملان فقالا لا حاجة لنا به ولكن عم عنا الطلب فقال قد كفيتم ورجع فوجد الناس في الطلب فجعل يقول قد استبرأت لكم الخبر وقد كفيتم ما هاهنا وكان أول النهار جاهدا عليهما وآخره حارسا لهما
فصل
ثم مر رسول الله في مسيرة ذلك حتى مر بخيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقي من مر بها فسألاها هل عندها شيء فقالت والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى والشاء عازب وكانت سنة شهباء فنظر رسول الله إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم فقال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك فقال أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها فمسح رسول الله بيده ضرعها وسمى الله ودعا فتفاجت عليه ودرت فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب وحلب فيه ثانيا حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها فارتحلوا فقلما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا لا نقي بهن فلما رأى اللبن عجب فقال من أين لك هذا والشاة عازب ولا حلوبة في البيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ومن حاله كذا وكذا قال والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه صفيه لي يا أم معبد قالت ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صحل وفي عنقه سطح أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر إذا صمت علاه الوقار وإن تكلم علاه البهاء أجمل الناس وأبهاهم من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولاهذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا تقحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول غضن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يخفون به إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند فقال أبو معبد والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا لقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعونه ولا يرون القائل
( جزى الله رب العرش خير جزائه % رفيقين حلا خيمتي أم معبد )
( هما نزلا بالبر وارتحلا به % وأفلح من أمسى رفيق محمد )
( فيا لقصي ما زوى الله عنكم % به من فعال لا يجازى وسودد )
( ليهن بني كعب مكان فتاتهم % ومقعدها للمؤمنين بمرصد )
( سلوا أختكم عن شاتها وإنائها % فإنكم إن تسألوا الشاء تشهد )
قالت أسماء بنت أبي بكر ما درينا أين توجه رسول الله إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات والناس يبتعونه ويسمعون صوته ولا يرونه حتى خرج من أعلاها قالت فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله وأن وجهه إلى المدينة
فصل
وبلغ الأنصار مخرج رسول الله من مكة وقصده المدينة وكانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه أول النهارى فإذا اشتد حر الشمس رجعوا على عادتهم إلى منازلهم فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من النبوة خرجوا على عادتهم فلما حمي حر الشمس رجعوا وصعد رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة لبعض شأنه فرأى رسول الله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا صاحبكم قد جاء هذا جدكم الذي تنتظرونه فبادر الأنصار إلى السلاح ليتلقوا رسول الله وسمعت الرجة والتكبير في بني عمرو بن عوف وكبر المسلمون فرحا بقدومه وخرجوا للقائه فتلقوه وحيوه بتحية النبوة فأحدقوا به مطيفين حوله والسكينة تغشاة والوحي ينزل عليه ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) ( التحريم 4 ) فسار حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف فنزل على كلثوم بن الهدم وقيل بل على سعد ابن خيثمة والأول أثبت فأقام في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء وهو أول مسجد أسس بعد النبوة فلما كان يوم الجمعة ركب بأمر الله له فأدركته الجمعة في بني سالم ابن عوف فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي ثم ركب فأخذوا بخطام راحلته هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة فقال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فلم تزل ناقته سائرة به لا تمر بدار من دور الأنصار إلا رغبوا إليه في النزول عليهم ويقول دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم وبركت ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلا ثم التفتت فرجعت فبركت في موضعها الأول فنزل الأول فنزل عنها وذلك في بني النجار أخواله وكان من توفيق الله لها فإنه أحب أن ينزل على أخواله يكرمهم بذلك فجعل الناس يكلمون رسول الله في النزول عليهم وبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله فأدخله بيته فجعل رسول الله يقول المرء مع رحله وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته وكانت عنده وأصبح كما قال أبو قيس صرمة الأنصاري وكان ابن عباس يختلف إليه يتحفظ منه هذه الأبيات
( ثوى في قريش بضع عشرة حجة % يذكر لو يلقى حبيبا مواتيا )
( ويعرض في أهل المواسم نفسه % فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا )
( فلما أتانا واستقرت به النوى % وأصبح مسرورا بطيبة راضا )
( وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم % بعيد ولا يخشى من الناس باغيا )
( بذلنا له الأموال من حل مالنا % وأنفسنا عند الوغى والتآسيا )
( تعادي الذي عادى من الناس كلهم % جميعا وإن كان الحبيب المصافيا )
( ونعلم أن الله رب غيره % وأن كتاب الله أصبح هاديا )
قال ابن عباس كان رسول الله بمكة فأمر بالهجرة وأنزل عليه ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) ( الإسراء 80 ) قال قتادة أخرجه الله من مكة إلى المدينة مخرج صدق ونبي الله يعلم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان فسأل الله سلطانا نصيرا وأراه الله عزوجل دار الهجرة وهو بمكة فقال أريت دار هجرتكم بسبخة ذات نخل بين لا بتين وذكر الحاكم في مستدركه عن علي بن أبي طالب أن النبي قال لجبريل من يهاجر معي قال أبو بكر الصديق قال البراء أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله مصعب ابن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئان الناس القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عشرين راكبا ثم جاء رسول الله فما رأيت الناس فرحوا بشيء كفرحهم به حتى رأيت النساء والصبيان والإماء يقولون هذا رسول الله قد جاء وقال أنس شهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل المدينة علينا وشهدته يوم مات فما رأيت يوما قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فأقام في منزل أبي أيوب حتى بني حجره ومسجده وبعث رسول الله وهو في منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجته وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن وأما زينب بنت رسول الله فلم يمكنها زوجها أبو العاص بن الربيع من الخروج وخرج عبدالله بن أبي بكر معهم بعيال أبي بكر ومنهم عائشة فنزلو في بيت حارثة بن النعمان