فصل فيما يقوله ويفعله من اشتد غضبه
أمره أن يطفىء عنه جمرة الغضب بالوضوء والقعود إن كان قائما والاضطجاع إن كان قاعدا والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ولما كان الغضب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم أمر أن يطفئهما بالوضوء والصلاة والاستعاذة من الشيطان الرجيم كما قال تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) الآية (البقرة 44 ) وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة فأمرهم بما يطفئون بها جمرتها وهو الاستعانة بالصبر والصلاة وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزعاته ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة وكان نهاية قوة الغضب القتل ونهاية قوة الشهوة الزنى جمع الله تعالى بين القتل والزنى وجعلهما قرينين في سورة الأنعام وسورة الإسراء وسورة الفرقان وسورة الممتحنة والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة
فصل
وكان إذا رأى ما يحب قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال
فصل
وكان يدعو لمن تقرب إليه بما يحب وبما يناسب فلما وضع له ابن عباس وضوءه قال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ولما دعمه أبو قتادة في مسيره بالليل لما مال عن راحلته قال حفظك الله بما حفظت به نبيه وقال من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء
واستقرض من عبد الله بن أبي ربيعة مالا ثم وفاه إياه وقال بارك الله لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الحمد والأداء ولما أراحه جرير بن عبدالله البجلي من ذي الخلصة صنم دوس برك على خيل قبيلته أحمس ورجالها خمس مرات وكان إذا أهديت إليه هديت فقبلها كافأ عليها بأكثر منها وإن ردها اعتذر إلى مهديها كقوله للصعب ابن جثامة لما أهدى إليه لحم الصيد إنا لم نرده إلا أنا حرم والله أعلم
فصل
وأمر أمته إذا سمعوا نهيق الحمار أن يتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم وإذا سمعوا صياح الديكة أن يسألوا الله من فضله ويروى عنه أنه أمرهم بالتكبير عند رؤية الحريق فإن التكبير يطفئه وكره لأهل المجلس أن يخلوا مجلسهم من ذكر الله عز وجل وقال ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة الحمار وقال من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترت والترة الحسرة وفي لفظ وما سلك أحد طريقا لم يذكر الله فيه إلا كانت عليه ترة وقال من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك وفي سنن أبي داود ومستدرك الحاكم أنه كان يقول ذلك إذا أراد أن يقوم من المجلس فقال له رجل يا رسول الله إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى قال ذلك كفارة لما يكون في المجلس
فصل
وشكى إليه خالد بن الوليد الأرق بالليل فقال له إذا أويت إلى فراشك فقل اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأرضين السبع وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا من أن يفرط أحد منهم علي أو أن يطغى على عز جارك وجل ثناؤك ولا إله إلا أنت وكان يعلم أصحابه من الفزع أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه ومن شر عباده ومن شر همزات الشياطين وأن يحضرون ويذكر أن رجلا شكى إليه أنه يفزع في منامه فقال إذا أويت إلى فراشك فقل ثم ذكرها فقالها فذهب عنه
المقال السابق
المقال التالى