من أجمل آيات الوفاء أن يتذكَّر المسلم أحبابه وإخوانه الذين ماتوا فيدعو لهم بالمغفرة ورفع الدرجات؛ فقد انقطعت أعمالهم، وهم في أشدِّ الحاجة لمن يذكرهم بالخير والرحمة؛ لهذا جعل اللهُ عز وجل هذا السلوك سِمَةً مميِّزة للمؤمنين، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10]؛ لهذا كان من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو للموتى من المسلمين والمسلمات؛ فقد روى مسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ».
فهذه مداومةٌ تكاد تكون أسبوعية يخرج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ليدعو لموتى المسلمين بالمغفرة، والدعاء من الأمور التي يصل نفعها إلى الميت، وقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». فمن علامات الصلاح أن يذكر الابن أباه الميت بالدعاء، ولا شكَّ أن من علامات الصلاح -من باب أولى- أن يذكر المسلم الموتى الأبعد في القرابة أو العلاقة، فلنحرص على تَذَكُّر مَنْ مات من أحبابنا، ولنرفع أيدينا إلى الله في إخلاص لنسأل لهم المغفرة والرحمة، وقد روى أبو داود -وقال الألباني: حسن- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ».
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى