بين أيدينا سُنَّةٌ يتعمَّد كثيرٌ من المسلمين أن يتركوها! وهي سُنَّة "الإكثار" من ذِكْرِ الموت، وسبب إهمال السُّنَّة أن الناس بشكل عامٍّ تكره الموت؛ وقد روى مسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ. فَقَالَ: «لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ».
فكلام عائشة رضي الله عنها هنا يُثْبِت كراهية الموت عند "كلِّ" الناس، ومع ذلك جاءت السُّنَّة النبوية تحضُّ على الإكثار من ذكر الموت؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ». يَعْنِي الْمَوْتَ، وهاذم اللذات أي قاطعها، وهذا الإكثار من ذكره هدفه أن يُذَكِّر المؤمن دومًا بمعاده إلى الله عز وجل، ومَنْ كان مُتَذَكِّرًا للموت فلا شكَّ أنه سيعمل له، فيتوب عن ذنوبه، ويُكْثِر من فعل الصالحات، وهذه هي الحكمة بعينها؛ لذلك وَصَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المـُتذكِّر للموت بالفطنة والذكاء؛ فقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: حسن- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ».
فلْنُذَكِّر أنفسنا بالموت دومًا، فنسيانه لا يمنعه، وهو حقٌّ على كل البشر.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى