لا يُصاب المؤمن بمرضٍ إلا كان المرضُ سبيلًا له إلى تكفير ذنوبه؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ».
ومن هذا المنطلق لا يجوز للمسلم أن يُفَوِّت هذه الفرصة فيرتكب في مرضه من الخطايا ما يُذْهِب بالمقصود، ومن الخطايا في المرض أن يسعى المريض إلى الشفاء عن طريق أمرٍ حرَّمه الله عز وجل، وما أروع جملة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الجامعة -كما روى البيهقي- التي قال فيها: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ».
وكلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مأخوذ من السُّنَّة النبوية؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّوَاءِ الخَبِيثِ».
وكلمة الخبيث كلمة شاملة، يندرج تحتها الحرامُ والنجسُ والمنكر، وهي من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وكلُّ خبيثٍ كان على زمانه صلى الله عليه وسلم، أو يظهر بعده، فهو منهيٌّ عنه، ولا يجوز استعماله في التداوي، فالخمر مثلًا حرام؛ لذا لا يجوز استعمالها في الطب، مع أنها قد تُفيد نسبيًّا في بعض الأمراض، ولكنها من الخبيث المحرَّم، وقد روى مسلم أنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ رضي الله عنه، سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ -أَوْ كَرِهَ- أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ».
وثبت بعد ذلك علميًّا أن ضرر الخمر -الذي يؤدي إلى الإصابة بأمراض كثيرة خطيرة- أكبر بكثير من نفعها، فوضحت أهمية السُّنَّة، وأنها أنقذت المسلمين من مهالك كثيرة، وبعضُ الأطباء النفسيين ينصحون مرضاهم أحيانًا بما يخالف الشريعة؛ مثل خلع الحجاب للمرأة، أو الاختلاط بين الجنسين، أو غير ذلك مما منعه الإسلام، فهذا كله من الخبيث الذي نُهينا أن نستعمله في التداوي، فليكن مرضنا طريقًا لتكفير السيئات بدلًا من مضاعفتها، ولنبحث عن الدواء في الحلال الكثير الذي بَثَّه اللهُ عز وجل في الكون.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى