من السنن النبوية المهجورة فكُّ الأسرى، ولعلَّ السبب في أن الناس قد هجرت ذلك يرجع إلى قَصْرِ الناسِ للفظ "الأسير" على أسرى الحرب؛ حيث إن إطلاق أسرى الحرب أمرٌ سياسي لا دخل للعامَّة فيه فقد توقَّف الناس عن تطبيق هذه السُّنَّة النبيلة، ومع ذلك فهذه السُّنَّة لها تطبيقاتها المعاصرة التي يمكن أن تُمارَس بسهولة، وذلك مثل السعي لإطلاق المسجونين الذين سُجِنُوا بسبب تراكم الديون عليهم، وذلك عن طريق دفع هذه الديون للدائنين؛ ومن ثَمَّ تنازل الدائن عن القضية، أو عن طريق دفع الكفالات لبعض المسجونين؛ الذين عجزوا عن دفع الكفالة في قضايا بسيطة لا تدخل تحت توصيف الجريمة أو الفساد، وقد وردت هذه السُّنَّة في أحاديث كثيرة؛ منها ما رواه البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فُكُّوا العَانِيَ، يَعْنِي: الأَسِيرَ، وَأَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ».
وروى البخاري عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ». قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ».
ويمكن لنا أداء هذه السُّنَّة منفردين، أو بالاشتراك مع بعض الزملاء لجمع ما يحتاجه السجين لإطلاقه، أو التواصل مع بعض الجمعيات الخيرية المهتمَّة بهذا العمل، ويمكن استخدام أموال الزكاة في هذا العمل؛ حيث إن الغارمين -أي المديونين- من مصارف الزكاة الثمانية، ويُعتبر هذا العمل من باب عتق الرقاب؛ حيث إن السجين في حكم العبد الذي لا يملك حريته، وإطلاقه يعني عتقه؛ وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ». فلنجتهد في تطبيق هذه السُّنَّة النبيلة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى