عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم إحياء سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم _ د. راغب السرجاني
الكاتب د. راغب السرجاني
تاريخ الاضافة 2015-03-02 23:16:54
المشاهدات 873
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

ليس من أحدٍ إلاَّ وله خطايا لا يحب لإنسانٍ أن يَطَّلِع عليها، وكَشْفُ هذه الخطايا يُضْعِف الإنسان، ويكسر نَفْسَه، وقد يتوارى عن أنظار الناس فيفقد المجتمع عنصرًا من عناصره؛ ومن باب آخر فقد يَفقد الإنسانُ حياءه عندما تُكْشَف أسراره، ويَعتبر أن عملاً مشينًا مثل عدَّة أعمال، فيتجرَّأ على المعصية، ويُكْثِر من الخطايا؛ لهذا كله فإن الله يحبُّ الستر لعباده المؤمنين؛ وذلك حتى لا تشيع الفاحشة في المجتمع، ولا ينكسر المؤمن، وتظلَّ العلاقات طبيعية بين المسلمين؛ وقد روى أبو داود عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ..".

ولذلك كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستر على المسلمين، ويحضُّ المسلمين على فضيلة الستر؛ فقد روى البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ".. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ". ويشمل هذا الستر في كل شيءٍ، حتى في الذنوب العظام!

وقد روى أحمد -بسند صحيح- عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ: أَنَّ هَزَّالاً كَانَ اسْتَأْجَرَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: فَاطِمَةُ. قَدْ أُمْلِكَتْ، وَكَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُمْ، وَإِنَّ مَاعِزًا وَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَ هَزَّالاً فَخَدَعَهُ، فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ، عَسَى أَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ. فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ، فَلَمَّا عَضَّتْهُ مَسُّ الْحِجَارَةِ، انْطَلَقَ يَسْعَى، فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِلَحْيِ جَزُورٍ، أَوْ سَاقِ بَعِيرٍ، فَضَرَبَهُ بِهِ، فَصَرَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَيْلَكَ يَا هَزَّالُ، لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ".

وهذه ليست دعوة لفتح المجال للمعاصي؛ فغالب الأمر أن ماعزًا لم يكن ليعود لفعل الفاحشة بعد أن أطلع هزَّالاً على سرِّها، وكان الأولى لهزَّال -كما بَيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن يستر ماعزًا، ولعلَّ هذا يفتح له أبوابًا كثيرة للتوبة والعمل الصالح، ولم يكن هناك بُدٌّ أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجم ماعز؛ لأن الأمر رُفِعَ إليه كحاكم، ولو ستره المسلمون قبل أن يصل أمره إلى الحاكم لعُصِم من القتل.

وقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ".

فلْنستر إخواننا من المسلمين، ولْنعلم أن ما وقع منهم من خطايا يمكن أن نقع فيه غدًا، وكما نحبُّ لأنفسنا السترَ ينبغي أن نحبَّه لغيرنا.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق