هناك بعض الأمور تُورِث الشحناء والبغضاء بين الناس؛ ومن ثَمَّ فإن وجودها قد يقود إلى زلزلة أركان المجتمع، وقد تُفْضِي في النهاية إلى هلكته؛ من هذه الأمور الجدل؛ لذلك حذَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ومن عواقبه، وكان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أن يمتنع منه، ويأمر المسلمين بذلك؛ وقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: حسن- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ". ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].
فهذا تحذير شديد، فالأمر قد لا يتوقَّف عند شحناء بين متخاصمَيْن؛ بل قد يشيع في المجتمع حتى يُؤَدِّيَ إلى هلكته، وعلى الجانب الآخر بَشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم التاركين للجدل بالجزاء الحسن من الله عز وجل؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: حسن- عَنْ أبي أمامة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ".
والأمور الثلاثة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبطة ببعضها البعض؛ فأصل المشكلة جدالٌ بين اثنين، فإذا زاد الجدل فقد يقود إلى الكذب؛ وذلك لتحقيق الانتصار على الخصم، ومَنْ فعل المراء والكذب ساء خُلُقُه؛ ومن ثَمَّ فالذي انتهى عن الجدل أغلق بعض أبواب الكذب، وهذا من حُسن الخلق، وهذا يساوي عند الله بيوتًا في الجنة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].