وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم فإن فيه إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره وفي لفظ وحيده ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده والذي غر أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم اذبح ابنك إسحاق قال وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم لأنها تناقض قوله اذبح بكرك ووحيدك ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف وأحبوا أن يكون لهم وأن يسوقوه إليهم ويحتازوه لأنفسهم دون العرب ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله وكيف يسوغ أن يقال إن الذبيح إسحاق والله تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب فقال تعالى عن الملائكة إنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى
فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل وأرسل معه عمه بلالا ولكن قال رجلا فلما بلغ خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة فوصل إلى بصرى ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد وقيل تزوجها وله ثلاثون سنة وقيل إحدى وعشرون وسنها أربعون وهي أول إمرأة تزوجها وأول إمرأة ماتت من نسائه ولم ينكح عليها غيرها وأمره جبريل أن يقرأ عليها السلام من ربها ثم حبب الله إليه الخلوة والتعبد لربه وكان يخلو ب غار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد وبغضت إليه الأوثان ودين قومه فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك فلما كمل له أربعون أشرق عليه نور النبوة وأكرمه الله تعالى برسالته وبعثه إلى خلقه واختصه بكرامته وجعله أمينه بينه وبين عباده ولا خلاف أن مبعثه كان يوم الإثنين واختلف في شهر المبعث فقيل لثمان مضين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل هذا قول الأكثرين وقيل بل كان ذلك في رمضان واحتج هؤلاء بقوله تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) البقرة 185 قالوا أول ما أكرمه الله تعالى بنبوته أنزل عليه القرآن وإلى هذا ذهب جماعة منهم يحيى الصرصري حيث يقول في نونيته
( وأتت عليه أربعون فأشرقت % شمس النبوة منه في رمضان )
والأولون قالوا إنما كان إنزال القرآن في رمضان جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة ثم أنزل منجما بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة وقالت طائفة أنزل فيه القرآن أي في شأنه وتعظيمه وفرض صومه وقيل كان ابتداء المبعث في شهر رجب وكمل الله له من مراتب الوحي مراتب عديدة إحداها الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وحيه وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح الثانية ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال النبي إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته الثالثة أنه كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا الرابعة أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها ولقد جاءه الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها الخامسة أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم 7 13 السادسة ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها السابعة كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى ابن عمران وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن وثبوتها لنبينا هو في حديث الإسراء وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله له كفاحا من غير حجاب وهذا على مذهب من يقول إنه رأى ربه تبارك وتعالى وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف وإن كان جمهور الصحابة بل كلهم مع عائشة كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعا للصحابة