قد كان النبي أعدل البشر في جميع أموره وأحكامه، ومما يضرب به المثل في عدله إلى يوم القيامة قصة المخزومية التي سرقت فقطع يدها بعد أن شفع فيها أسامة، ولكن الرسول لم يحابِ في ذلك ولم يقبل الشفاعة في حد من حدود اللَّه تعالى.
فعن عائشة ’ أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد النبي في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول اللَّه فأُتيَ بها رسول اللَّه فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه فقال: ((أتشفع في حد من حدود اللَّه؟)) فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه! فلما كان العشي قام رسول اللَّه فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، فقال: ((أما بعد، أيها الناس: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).
ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها.
قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد، وتزوجت، وكانت تأتيني فأرفع حاجتها إلى رسول اللَّه ([1]).
إن العدل خلاف الجور، وقد أمر اللَّه به في القول والحكم، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ ([2]). وقال: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾ ([3]).
ولاشك أن هذا الموقف الحكيم وغيره من مواقفه مما يوجب على الدعاة تطبيقها أسوة به ([4]).
([1]) البخاري مع الفتح بنحوه مختصراً في كتاب الحدود، باب إقامة الحد على الشريف والوضيع، 12/86، (رقم 6787)، وباب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، 12/87، 6/513، 5/192، (رقم 6788)، ورواه مسلم بلفظه في كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، 3/1315، (رقم 1688)، وانظر: شرح النووي، 11/186، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري، 12/95، 96.
([2]) سورة الأنعام، الآية: 152.
([3]) سورة النساء، الآية: 58.
([4]) انظر مواقف حكيمة في هذا الشأن في: سنن أبي داود، 2/242، والترمذي، 3/137، والنسائي، 7/64، وانظر أيضاً البخاري مع الفتح، 3/292، 2/143، 11/312، 12/112، ومسلم، 3/458، وهذا الحبيب يا محب، ص534، 535.
المقال السابق
المقال التالى