عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ...".(1)
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ". (2)
العدل مطلب إيماني مقدس، وخلق رباني نفيس، كيف لا وقد أنزله المولى سبحانه على رسله قرينا للكتاب الذي يهدي الناس لتوحيده وعبادته، قال تعالى: ( وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ).(3)
إنه أساس الدين، به قامت السماوات والأرض، وبعثت الرسل، وأنزلت الكتب، وصلحت الحياة، وشرفت الآخرة، ونصبت الموازين، وثبتت القرب من الرب تعالى يوم الدين.
والإسلام دين العدالة، وأمته الأمة الوسطية، التي اختار الله لها نبيها محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى على الناس برسالات الله، خير من تعبّد الله تعالى بالعدل والإحسان في القول والحكم والمعاملة، مع النفس والناس، القريب والغريب، مع ما تهيأ له من أسباب القوة والنفوذ والسلطة.
وإن موقفا واحدا من بطولات عدله صلى الله عليه وسلم لينطلق بمعانٍ غزيرة من الإنصاف يعجز عنها البيان ويكّل منها الوصف.
ذلكم موقفه صلى الله عليه وسلم مع امرأة انتهكت حدا من حدود الله سبحانه؛ تروي لنا عائشة رضي الله عليها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلّمه أسامة فقال رسول الله: "أتشفع في حد من حدود الله! ثم قام فخطب ثم قال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". (4)
لعمر الله ما أعظم هذا القسم بالله، وما أعظم ما أقسم به، لقد عاهد ربه سبحانه أن يحكم بين الناس بالعدل ولو كان الظالم بضعة منه، وحاشا ابنته رضي الله عنها أن تتلطخ بهذا الذنب، ولكنه منطق الحق ومقالة الصدق التي تجري أحكامها وتظهر آثارها على القريب والبعيد والشريف والوضيع والمسلم والكافر.
لقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم قوّاما بالعدل بل يتعداه إلى الفضل والإحسان ويرغب أصحابه وأمته بفضله، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله يوم القيامة، فجعل في مقدمة المثابين بالظلال الوارفة، والأفياء الباردة في يوم تدنو فيه الشمس الحارقة من رؤوس الخلائق، الإمام العادل وبدأ به قبل غيره لما في إقامة العدل بين الناس من صلاح أمور الدين والدنيا، واستقامة شؤون الحياة وانتظام أمر الدولة.
وفي الحديث الآخر كان المقسطون الملتزمون به في كل ما أمر به هم أحباب الله تعالى ( إن الله يحب المقسطين) (5)، الذين يقربهم من جلاله يوم العرض الأكبر ويشرفهم بدنوه منهم، ويجلسهم على منابر من نور.
منابر ليست مقاعد ولا كراسي، بل منابر عالية يجلسون عليها رفعة لهم وعزة وكرامة، لاستعلائهم على شهواتهم وترفعهم عن أهوائهم.
من نور يضئ بهم زيادة في تشريفهم ونعيمهم ليراهم الخلق أجمعون.
وختام ذلك الفضل العظيم الدنو من الرب جل جلاله، وأكرم به من نعيم وشرف كبير، " على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين " ما أعظمك ربنا وما أكرمك، وما أوسع فضلك وما أبلغ ثوابك.
وما أحرنا أن نتحلى بهذا الخلق العظيم مع أنفسنا وأهلينا وما ولّينا.
(1) صحيح البخاري ج6/ص2496.
(2) صحيح مسلم ج3/ص1458.
(3) سورة الحديد: الآية 25.
(4) صحيح البخاري ج3/ص1282.
(5) سورة المائدة: الآية 42.