الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد:
أوجد الله هذه الأمة لتبقي فوُجدت ومعها أسباب بقاءها، منذ بعث النبي صلي الله عليه وسلم وتسلم الولاية على البشر من الأنبياء ليلة الإسراء.
ومن هنا كان فرض الصلاة ليلة الإسراء باعتبارها أول وأهم أسباب قيام وبقاء جميع الأمم:
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41]
وبعد تسلم الأمة للولاية من خلال إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء في الصلاة كان لابد بد من تحقق أسباب حماية هذه الأمة من أسباب هلاك الأمم وهي من نفسها.. ومن مرضها.. ومن أعدائها
وحماية الأمة من نفسها يعني حمايتها من الغواية والذنوب والشهوات
ومن هنا قال حديث الإسراء: «أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ» [1]
ثم تتابعت المرائي الدالة على الحذر من هلاك الغواية ومنها رؤية قاتل ناقة صالح: «ورأى رجلاً أحمر أزرق جعداً شعثاً إذا رأيته قال: من هذا يا جبريل؟. قال: هذا عاقر الناقة» [2].
وثمود هم المثل القرآني لإهلاك الأمم وعقر الناقة كان السبب الذي قدر الله به إهلاك هذه الأمة.
ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسراء أخطر المرائي التي تؤدي بالأمة إلى الهلاك فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «رأيت - ليلة أسري بي - رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار. فقلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟» [3].
وذلك مع المرائي التي رآها رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمتعلقة بالتحذير من الذنوب واتباع الشهوات، مثل الذين يأكلون لحوم الناس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا عُرِجَ بِى مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِى أَعْرَاضِهِمْ» [4].
ومن هنا جمع القرآن بين تضييع الصلاة واتباع الشهوات في أسباب الإهلاك بعد ذكر الأنبياء الذين يمثلون الولاية الشرعية على البشر منذ آدم حتى خاتم الأنبياء والمرسلين {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا . فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:58-59]
وبذلك تم في الإسراء الأساس الكامل لقيام الأمة.
ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم بإمامة الأنبياء.. اختيار الفطرة باختيار اللبن وترك الغواية بترك الخمر والتحذير من الذنوب والشهوات من خلال المرائي.. وفرض الصلاة..
ثم كانت أسباب حماية الأمة من الأمراض بالوصية الملائكية بالحجامة كما جاء في الحديث: «مَا مَرَرْتُ بِمَلأٍ مِنَ المَلَائِكَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَّا قَالُوا: عَلَيْكَ بِالحِجَامَةِ يَا مُحَمَّد»، فيتبين أن وصية رسول الله بالحجامة ليلة الإسراء لم تكن وصية عابرة، بل كانت وصية هامة جداً، وذلك ما يفهم من قول الرسول صلي الله عليه وسلم: «لا تزال الملائكة توصيني..».
وقوله: «مَا مَرَرْتُ بِمَلأٍ مِنَ المَلَائِكَةِ..».
فالوصية لم تكن من ملك، ولكن من كل "ملأ" من الملائكة يمر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان طريق الإسراء والمعراج كله ملائكة.
وكذلك صيغة الوصية: «عَلَيْكَ بِالحِجَامَةِ يَا مُحَمَّد» وهي صيغة الوصية الشخصية للرسول، وفي صيغة أخرى: «مُرْ أُمَّتَكَ بِالحِجَامَة»، فهي وصية الرسول شخصياً ووصيته لأمته.
وعندما تكون الوصية بالحجامة من الملائكة فإن لهذا دلالته.. وهو الحفظ، لأن الملائكة هم حفظة الناس بدليل قول الله عز وجل:
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]
وفي سورة الإسراء: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} الإسراء:78]
حيث جاء في تفسيرها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْناهُمْ وَهُمْ يُصَلُّون» [5]
ووصية الملائكة بالحجامة ومعهم جبريل تعطي للوصية بُعداً هاماً ذلك أن جبريل هو من أظهر زمزم لتكون سبباً لأكبر وأهم أسباب الشفاء للأمة " لما ركض زمزم بعقبه " ليكون ماء زمزم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ماء زمزم لما شرب له» [رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني]
وقال صلى الله عليه وسلم : «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم» [السلسلة الصحيحة 1056] "
ومن هنا كانت الحكمة في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وغسله بماء زمزم ليلة الإسراء
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتيت ليلة أسري بي، فانطلق بي إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزل» [متفق عليه].
وبارتباط أمر الحجامة بالأمة وفقا لوصية الملائكة «يَا مُحَمَّد .. مُرْ أُمَّتَكَ بِالحِجَامَة»
يتبين المضمون الأساسي للوصية بالحجامة في الإسراء والتي تكتب بها العافية للأمة الباقية صاحبة الولاية على البشر حتى قيام الساعة .
حيث جاءت الحجامة مع الأسباب القدرية لبقاء الأمة وتحقيق عافيتها بعد انتقال الولاية إليها في الإسراء.
ومن هنا كان الارتباط بين الحجامة والولاية في الرؤى باعتبارها أساس التفسير الرمزي للحقائق فيقول ابن سيرين: "من رأى أنه يحجم أو يحتجم وُلِّي ولاية أو قلّد أمانة" [6]
وباعتبار أن الولاية التي تمت للرسول صلى الله عليه وسلم إنما كانت بصفته خاتم الأنبياء والمرسلين وأن أمته باقية إلى قيام الساعة كانت حادثة الإسراء جامعة لكل أسباب بقاء الأمة بالصلاة والحرز من الغواية والحرز من المرض حتى آخر الزمان [7].
ثم جاءت حماية الأمة من أعداءها بالجهاد الذي جاء كمضمون عام لسورة الإسراء إبتداءاً من مقدمة السورة من خلال تجربة بني إسرائيل: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا . فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا . إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا . عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}
حيث جاء في تفسير الآيات:
" فبين جزاء عماهم، وصممهم في المرة الأولى بقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} الآية [17/5]، وبين جزاء عماهم، وصممهم في المرة الآخرة بقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً}، وبين التوبة التي بينهما بقوله: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}، ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}، فعادوا إلى الإفساد بتكذبيه صلى الله عليه وسلم، وكتم صفاته التي في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم، فسلط عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم فقتل مقاتلة بني قريظة، وأجلى بني قينقاع، وبني النضير. كما ذكر تعالى طرفاً من ذلك في سورة الحشر" [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - (6 / 160)]
وبذلك يجتمع ذكر الجهاد بصفته أساس إقامة الأمة وحمايتها من أعداءها
مع ذكر حماية الأمة من جميع أسباب الهلاك بالحرز من الغواية
مع ذكر الحجامة كحماية من جميع أسباب المرض
مع فرض الصلاة كأساس لقيام الأمة
وباعتبار أن الإسراء كان قدر نشأة الأمة وبقاءها.. وحمايتها بعد نشأتها وبقاءها
إجتمعت أسباب ذلك في إطار سنن الله الثابتة
ففي العلاقة بين الصلاة والحرز من الغواية كان نهي الصلاة عن الفحشاء.. سنة ثابتة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}،
وسببية الفحشاء للمرض.. سنة ثابتة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.»
ومن خلال تلك السنن الثابتة كذلك تحددت العلاقة بين الحجامة والجهاد
ليكون الربط بين الحجامة والجهاد بنصوص الإسراء في الكتاب والسنة محددة للتصور الجامع لهما في إطار هذه السنن الثابتة من خلال عدة حقائق
ـ أن حقيقة الحجامة قائمة على أن الدم بصفته السائلة مرتبط بالقاعدة الواردة في قول الله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} الرعد:17]
ليكون الزبد الذي لا ينفع في سطح الدم وهو الذي تخرجه الحجامة من الجسم ولا يبقى إلا الدم النافع.
ـ أن الحجامة مواجهة للدم الباغي على الإنسان ولذلك يصف النبي صلى الله عليه وسلم ضرر الدم الذي تذهبه الحجامة ببغي الدم أي الدم عندما يبغي وذلك في قوله صلي الله عليه وسلم: «وَلا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ» لأن كلمة تبيغ من البغي أي يبغي الدم عن حده[8]
كما جاء في كتب اللغة وشروح السنة: أصله من البغي قال: يتبيّغ يريد يتبغّى فقدم الياء وأخّر الغين وهذا كقولهم: جبذ وجذب وما أطيبه وأيطبه.
ـ التوافق الزمني بين الجهاد والحجامة في اليوم والساعة فمن حيث القتال كان اليوم هو الخميس
عن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك كان يحب أن يخرج إذا غزا يوم الخميس. [رواه أحمد و البخاري] .
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو صبحاً كما في حديث غزوة خيبر" حين خرج إلى خيبر أتاها ليلاً وكان إذا جاء قوماً بليل لم يغر عليهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم" فساء صباح المنذرين "
حتى أصبحت الخيول في القتال هي المغيرات صبحاً كما في سورة العاديات {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} [العاديات:3]
أما توقيت الحجامة فدليل توافقها مع القتال فهو يوم الخميس ووقت الصبح كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم «الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ، وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ، وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ، فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ»
و اختيار يوم الخميس للقتال والحجامة هو أنه يوم ترفع فيه الأعمال الى الله
ومناسبة رفع الأعمال مع الإسراء هو رفع إدريس مكاناً علياً كما جاء أن رفع الأعمال الصالحة لإدريس هي سبب رفعه إلى السماء الرابعة كما قال ابن عباس: سألت كعباً عن رفع إدريس مكاناً علياً فقال: كان عبداً تقياً رفع له من العمل الصالح ما رفع لأهل الأرض في زمانه [الدر المنثور - (5 / 518)]
ومن هنا كانت جوهرية العلاقة بين الحجامة والجهاد بيوم الإسراء
ومن هنا أيضا كان الإرتباط المباشر بين الجهاد ورفع الأعمال من ناحية
وكان الإرتباط المباشر بين رفع الأعمال والحجامة من ناحية أخرى
و في ارتباط الجهاد برفع الأعمال جاء قول الله عز وجل: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ}
فجاءت العزة جزاءاً من جنس العمل على الأعمال الصالحة المرفوعة إلى الله سبحانه وتعالى.. لأن العزة رفعة تتجانس مع رفع العمل ثم يأتي ذكر المواجهة بين الحق والباطل في نهاية الآية: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} حيث جاء في تفسير {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ}.
قول أبو العالية:" هم الذين مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في دار الندوة".
[الجامع لأحكام القرآن - (14 / 333)]
والبوار حقيقته: كساد التجارة وعدم نَفاق السلعة، واستعير هنا لخيبة العمل بوجه الشبه بين ما دبروه من المكر مع حرصهم على إصابة النبي صلى الله عليه وسلم [التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (22 / 275)]
أما الإرتباط المباشر بين الإسراء والحجامة فهو كليهما خروج
فالإسراء خروج من ثقل الجسم بالارتفاع في الإسراء والمعراج
والحجامة خروج من ثقل المرض بالشفاء باعتبار أن المرض هو الثقل
وأن الشفاء هو الخفة والنشاط كما جاء في حديث مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم «وجد في نفسه خفة»
[صحيح ابن حبان - (14 / 567)]
وفي حديث آخر دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمريض فقام قَالَ: « فَقَامَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ» [إتحاف الخيرة المهرة - (4 / 419)]
وبذلك تدخل الحجامة كما جاءت في الإسراء والمعراج أصلاً من أصول حفظ الأمة في نشأتها وولايتها وعافيتها وامتدادها وعزتها بجهادها.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
(2) أخرجه أحمد ( 1 / 257 ) وغيره بسند قال فيه ابن كثير : ( صحيح ).
(3) أخرجه أحمد والبغوي في "شرح السنة" وقال البغوي: حديث حسن، وصححه الألباني.
(4) أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح وصححه الألباني في ( الصحيحة ) ( 533 ).
(4) أخرجه البخاري في: 9 كتاب مواقيت الصلاة: 16 باب فضل صلاة العصر.
(12) تفسير الرؤى والأحلام.
[7] - فأي معجزة شفائية كانت تحدث في الأمم السابقة كانت لا تتجاوز وقتها ولا من رآها ولا من حدثت له مثل معجزة عيسي وأيوب، أما الحجامة فهي المعجزة الشفائية الباقية مع الأمة إلى قيام الساعة.
[8] - غريب الحديث لابن الجوزي - (1 / 81) ـ غريب الحديث لابن سلام - (1 / 160)
أساس البلاغة - (1 / 28) ـ لسان العرب - (8 / 422)
مختار الصحاح - (1 / 73)
المقال السابق
المقال التالى