حرّر محمّد - صلى الله عليه وسلم - عقول البشر - بوحي من الله - من الخضوع للخرافات والدجل والارتهان للأصنام والمعبودات الباطلة أو التصديق بأفكار مناقضة للعقل كالقول بأن لله ابناً من البشر وبأنه ضحّى به دون خطيئة أو ذنب منه فداءً للبشر.
خيّم على العقل العربي قبل بعثة النّبي محمّد - صلى الله عليه وسلم - كثير من الاعتقادات والأساطير التي تناقض العقول السليمة التي لا تقبل ما لم يتوافق معها، ومن أهم ما اعتقده الجاهليون دون إعمال للفكر والعقل هو: اعتقاد النفع والضر في حجارة وأخشاب منحوتة بالأيدي، عبدوها مع الله أو من دونه، وخافوا من انتقامها بزعمهم وخوّفوا الأتباع الذين بدورهم عطّلوا عقولهم عن إدراك الخطأ من الصّواب في مثل تلك الاعتقادات.
فأرسل الله النبي محمّداً - صلى الله عليه وسلم - بدين الإسلام الذي كرّم الإنسان بالعقل وجعله مناط التكليف بواجبات الدين وأوامره ونواهيه، ورفع الإصر والمؤاخذة عن المجنون الذي فقد عقله، والصغير الذي لم يكتمل نموه العقلي، كما دعا وحثّ بل وجازى على إعمال العقل في البحث عن حقائق الكون والعلوم، ونهى وحرّم كل ما من شأنه أن يؤثّر على العقل كالمسكرات بأنواعها.
وأوّل ما بدأ الإسلام بتطهيره من الخرافات والدّجل هو العقيدة التي خاطبت العقل لإقناعه بصواب الحق الذي جاء به القرآن، وبطلان ما عليه الجاهليون من اعتقادات باطلة كاعتقاد تعدد الآلهة ، من ذلك قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91].
فهذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز الّبين فيه أنّ الإله الحقّ لا بد أن يكون خالقاً فاعلاً، يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضّر، فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل وحينئذ فلا يرضى بشركة الإله الآخر معه بل إن قدر على قهره وتفرده بالإلهية دونه فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضا بممالكهم؛ وإذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه فلا بد من أحد أمور ثلاثة:
- إمّا أن يذهب كلّ إله بخلقه وسلطانه.
- وإمّا أن يعلو بعضهم على بعض.
- وإمّا أن يكون كلّهم تحت قهر إله واحد وملك واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه.
وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي، وارتباط بعضه ببعض، وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد، من أدلّ دليل على أن مدبّره واحد لا إله غيره.
فكما يستحيل أن يكون للعالم ربّان خالقان متكافئان؛ يستحيل أن يكون له إلهان معبودان.
فهذا الإحكام في سياق الدليل على صحّة ما جاء به نبيّ الله محمّد - صلى الله عليه وسلم - من التّوحيد ، وكون الربّ واحداً ، وهو المعبود بحقّ وحده دون سواه، هو أقبل في عقول العقلاء، بخلاف ما ادُّعي من أنّ الإله ثالث ثلاثة، أو أنّ الأصنام تشاركه في ربوبيّته واستحقاقه للعبادة وحده.
فأيّ شيء أعظم من هذا التّوحيد الواضح البيّن الذي لم تكن تعرفه البشرية يوم بُعث نبيّ الرّحمة محمّد - صلى الله عليه وسلم - وأي عقيدة في الله أوفق للعقل والنظر الصحيح من هذه العقيدة؟
المقال السابق
المقال التالى