إن هذا الموضوع لا يكفي أن نتكلم عنه في العمر مرة ، ولا في السنة مرة ، ولا في الشهر مرة ، ولا في الأسبوع مرة ، ولا في اليوم مرة .. بل ينبغي أن يكون هذا الموضوع دائما على بالنا في جميع أعمالنا وأقوالنا وحركاتنا وسكناتنا ، فنكون منه على حذر متيقظين للخطر. ولا يعني هذا أننا نترك ( الأعمال الصالحة خوفا من الرياء فهذا من مداخل الشيطان ) . وإنما المقصود : أن يستشعر الإنسان الإخلاص دائما ، ويخاف من الرياء ويحذر منه أشد الحذر .
• ولقد ذكر الله تعالى أن من صفات المنافقين ( الرياء ) .. فقال سبحانه الله تعالى { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الناس إلا قليلا } .
• قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : ا علم أن أصل الرياء حب الجاه والمنزلة ، وإذا فُصل رجع إلى ثلاثة أصول :
1- حب لذة الحمد .
2- والفرار من ألم الذم .
3- والطمع فيما في أيدي الناس .
ويشهد لذلك ما في ( الصحيحين ) من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياءً ، فأي ذلك في سبيل الله ؟ .. فقال : [ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهي في سبيل الله ] .
فمعنى قوله : " يقاتل شجاعة " أي : ليُذكر ويُحمد ، ومعنى قوله : " يقاتل حمية " أي : يأنف أن يُقهر أو يُذم ، ومعنى : " يقاتل رياءً " أي : ليُرى مكانه ، وهذا هو لذة الجاه والمنزلة في القلوب .
• وقد لا يشتهي الإنسان الحمد ، ولكنه يحذر من الذم ، كالجبان بين الشجعان ، فإنه يثبت ولا يفر لئلا يذم ، وقد يفتي الإنسان بغير علم حذراً من الذم بالجهل .. فهذه الأمور الثلاثة هي التي تحرك إلى الرياء .
• عــلاج الريــاء :
1- أن يتذكر أن الرياء محبط للأعمال ، وسبب للتعرض إلى عذاب الآخرة .
2- وأن يتذكر أن مدح الناس وذمهم لا ينفعه عند الله يوم القيامة .
3- وأن يتذكر أن العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا .. ولا يزيدون من رزقه ولا أجله .
4- أن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والعطاء ، وأنه لا رازق سواه ، ومن طمع في الخلق لم يخلُ من الذل و الخيبة ، فكيف يترك ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد .
5- ومن الدواء النافع أن يعود نفسه ( إخفاء العبادات ) .. وذلك يشق في بداية المجاهدة ، فإذا صبر عليه مدة سقط عنه ثقله .. وأمده الله بالعون ، فعلى العبد المجاهدة ومن الله التوفيق .
• فإذا تقرر هذا في نفسه فترت رغبته في الرياء ، وأقبل على الله تعالى بقلبه ، فإن العاقل لا يرغب فيما يعظم ضرره ويقل نفعه .
• صور من إخفاء العبادة :
- كان ناس من أهل المدينة يعيشون ، وما يدرون من أين كان معاشهم ، فلما مات ( علي بن الحسين رحمه الله ) فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل .
ولما مات وجدوا بظهره آثاراً مما كان يحمله من أكياس الطعام بالليل للمساكين ..!
- وكان عيسى عليه السلام يقول : إذا كان صوم أحدكم ، فليدهن لحيته وليمسح شفتيه ، حتى يخرج إلى الناس يقولون ليس بصائم .
- قال معاوية بن قرة : من يدلني على رجل بكَّاء بالليل بسَّام بالنهار .
- قال الإمام أحمد في كتاب الزهد : كان أبو وائل إذا صلى في بيته غص البكاءُ في حلقه ولما ينتحب .
ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله .
• منزلق خطير جداً ( ترك العبادات خوفا من الرياء ) ..
- قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : لا ينبغي أن يترك العمل خوفاً من الرياء أو أن يقال : أنه مراءٍ لأنه من مكائد الشيطان .
- قال إبراهيم النخعي رحمه الله : إذا أتاك الشيطان وأنت في الصلاة ، فقال : إنك مراءٍ ، فزدها طولا.
• جواب مسكت للشيطان ! :
-قال محمد بن واسع : رأى أويس القرني رجلا يصلي يقوم ويقعد قال : ما لك ؟ قال : أقوم فيجيء الشيطان فيقول : إنك ترائي فاجلس ، ثم تنازعني نفسي إلى الصلاة فأقوم ثم يقول : إنك ترائي فاجلس ، فقال : لو خلوت كنت تصلي هذه الصلاة ؟ قال : نعم قال : صل فلست ترائي .
•أخي المسلم .. ( لتكن سياستك و منهجك مع الشيطان ، العناد والرفض والإباء ، فإنه لا يأتيك ناصحاً ومشفقاً عليك، عندما يحذرك من الرياء ، يقصد من وراء ذلك تركك لهذا العمل الصالح ، بهذا الأسلوب الماكر بأن يخوفك من الوقوع في الرياء ،ويربح من ذلك تركك للعمل الذي يقربك إلى الله).
•فيا أخي الكريم : ألح على ربك ، وتضرع إليه ، وأكثر من الدعاء بأن ( يخرج الله من قلبك الرياء والكبرياء وحب الثناء والظهور ) .
•وأن تقول : ( اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم ) رواه أحمد
•فراغ القلب من الحق : قال ابن الجوزي رحمه الله : ما يكاد يحب الاجتماع بالناس إل فارغ ا لأن المشغول القلب بالحق يفر من الخلق و متى تمكن فراغ القلب من معرفة الحق امتلأ بالخلق فصار يعمل لهم و من أجلهم و يهلك بالرياء و لا يعلم .