بيان الأدلة الشرعية على انتقاض إيمان وأمان ساب النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب قتله
17.لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف يجدر بالمؤمن أن يفعل!
18.قوله تعالى:" ومنهم من يَلمِزُك في الصدقات فإن أُعطوا منها رَضُوا وإن لم يُعطَوا منها إذا هم يَسخَطون" ، ووجه الدلالة من هذه الآية يجمع أموراً مما تقدم (فأولها)يتعلق بصفات المنافقين وسلوكهم الظاهر الدال على كفرهم الباطن وهو في هذه الآية الفاضحة لمزُ النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات، قال ابن تيمية رحمه الله :"واللمز: العيب والطعن، قال مجاهد: يتهمك، يسألك، يزرأك، وقال عطاء: يغتابك"، قلت : وكل هذا من جنس أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسب أشد منه لكونه صريحاً معلناً فحكمه حكم اللمز من حيث الحكم بالنفاق والكفر كما لا يخفى، و(ثانيها) أن من صفات المنافين الكفار في الباطن أنهم لا يرضون بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقسيم الأموال وفي غيره من الأمور الدينية والدنيوية وهو ما تقدم تحريره في الدليل السابق، ويقوي هذا المعنى ويوضحه ما رواه الإمام البخاري رحمه الله بسنده عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:" بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله. فقال: ويحك! ومن يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن الخطاب: ائذن لي فأضرب عنقه. قال: دعه، فإن له أصحاباً يحقِر أحدُكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ..إلى أن قال : فنزلت فيه :"ومنهم من يلمزك في الصدقات"، قلت: وهذه الآية والحديث الذي يروي سبب نزولها صريحان في أن الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وفي حكمه وقضائه كفرٌ يبيح دم قائله حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرَّ عمر بن الخطاب على حكمه على الرجل بالقتل، ولكن منعه لسبب آخر ولمصلحة راجحة – وهذا حقٌ للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته حيث يعفو عن حقه هو لما يراه مناسباً، أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يجرؤ على إسقاط حق رسول الله صلى الله عليه وسلم!
19.قوله تعالى:" يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالُكم وأنتم لا تشعرون"، ووجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه وتعالى نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وسلم وعن الجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض لأن هذا الرفع والجهر قد يُفضي إلى حبوط العمل وصاحبه لا يشعر، فإنه علَّل نهيهم عن الجهر وتركهم له بطلبِ سلامة العمل عن الحبوط، وبيَّن أن فيه من المفسدة احتمال حبوط العمل وانعقاد سبب ذلك، وما قد يُفضي إلى حبوط العمل يجب تركُه غاية الوجوب، والعمل يحبط بالكفر قاله سبحانه :"ومن يرتدد منكم عن دينه فيَمُت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة"، وقال تعالى:" ومن يكفر بالإيمان فقد حبِط عمله"، وقال:" ولو أشركوا لَحَبِط عنهم ما كانوا يعملون"، وقال :"لئن أشركتَ ليحبطنَّ عملُك"، وقال:"ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل اللهُ فأحبط أعمالهم"، وقال :"ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخطَ اللهَ وكرهوا رضوانَه فأحبط أعمالهم"، كما أن الكفر إذا قارنه عملٌ لم يُقبل لقوله تعالى :"إنما يتقبل الله من المتقين"، وقوله:"الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضلَّ أعمالَهم"، وقوله :"وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله"، وهذا ظاهرٌ ولا تحبط الأعمال بغير الكفر، لأن من مات على الإيمان فإنه لابد من أن يدخل الجنة ويخرج من النار إن دخلها، ولو حبط عملُه كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمالَ مطلقاً إلا الكفر، وهذا معروفٌ من أصول أهل السنة، نعم قد يبطلُ بعض الأعمال بوجود ما يفسده كما قال تعالى:"لا تُبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى" ولكن لا يحبط كلُّ عمل المرء بذلك، ولهذا لم يحبط الله الأعمال في كتابه إلا بالكفر. فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له بالقول يُخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لايشعر، ويحبط عمله بذلك وأنه مظنة لذلك وسبب فيه، فمن المعلوم أن ذلك لِما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال، ولِما أنَّ رفعَ الصوت قد يشتمل على أذى له أو استخفاف به وإن لم يقصد الرافعُ ذلك، فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كفراً، فيكون الأذى والاستخفاف المقصود والسب والشتم المتعمد كفراً بطريق الأَولى. قلت: هذا غاية الفقه منه رحمه الله فقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المبحث النفيس مسائل من أصول الدين لا ينفك المسلم يحتاج إليها، منها أن المعاصي لا تحبط الإيمان كله وإنما ينقص بها الإيمان، وأن حبوط كامل العمل رديف الكفر، وأن كل ما دل دليل الشرع على أنه يؤدي إلى حبوط كامل العمل فهو كفر وهذا كما مثَّل وذكر كسب النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن رحمه الله أن مسألة سب النبي صلى الله عليه وسلم وإيذائه من متعلقات أصول الدين وأنه ليس مجرد ذنب عارض بل هو جريمة كبرى، ولكن هل من سامع أو مجيب.
20.قوله تعالى :" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذاب أليم"، ووجه الدلالة هنا أن مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب مفضٍ إلى الفتنة وهي الكفر، كما قال ابن تيمية رحمه الله:"أمرَ مَن خالف أمرَه أن يحذر الفتنة؛ والفتنة الردة والكفر"، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :"أي فليحذر وليخشَ من يخالف شريعة الرسول باطناً أو ظاهراً (أن تصيبهم فتنة) أي في قلوبهم مِن كفرٍ أو نفاقٍ أو بدعة، (أو يصيبهم عذابٌ أليم) أي في الدنيا؛ بقتلٍ أو حدٍ أو حبسٍ أو نحو ذلك"، وذكر ابن تيمية رحمه الله وجه الدلالة من الآية :"فإذا كان المخالف عن أمره صلى الله عليه وسلم قد حُذِّر من الكفر والشرك أو من العذاب الأليم، دل على أنه قد يكون مفضياً إلى الكفر أو إلى العذاب الأليم، ولما كان معلوماً أن إفضاءه إلى العذاب بسبب مجرد فعل المعصية، عُلِم أن إفضاءه إلى الكفر إنما هو لما قد يقترن به من استخفاف بحق الآمر، وهذا كما فعل إبليس حيث استخف بحق الآمر واستكبر عنه فكفر بذلك لا لمجرد المعصية، فكيف لما هو أغلظ من ذلك الاستحفاف كالسب والشتم والانتقاص ونحوه"، قلت: فلا شك أن السب والشتم أشد إفضاءً إلى الكفر من إفضاء مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم المقترنة بالاستخفاف به صلى الله عليه وسلم،وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان، والله الموفق.
21.قوله تعالى:" وما كان لكم أن تؤذوا رسولَ الله ولا أن تَنكِحوا أزواجَه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً"، ولقد تقدم الكلام عن هذه الآية وبيان منع معاملة النبي صلى الله عليه وسلم ببعض ما يجوز للمسلمين أن يتعاملوا به بينهم حفظاً لجنابه وتوقيراً وتعظيماً لمقامه صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الله تعالى منع مِن تزوُّج أزواجه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وسمى ذلك أذى للرسول صلى الله عليه وسلم وعظَّم قدر هذا الأذى مُشعراً بالوعيد الشديد لفاعله، فإنَّ ترتب هذا الوعيد على الشاتم من باب أولى، قال ابن تيمية رحمه الله:"فحرَّم على الأُمة أن تنكح أزواجَه من بعده لأن ذلك يؤذيه، وجعله عظيماً عند الله تعظيماً لحرمته. وقد ذُكر أن هذه الآية نزلت لما قال بعض الناس: لو قد تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجتُ عائشة. ثم إنَّ مَن نكح أزواجه أو سراريه فإن عقوبته القتل جزاءً له بما انتهك من حرمته فالشاتم له أولى"، قلت: وسيأتي دليل هذا أعني قتل من تزوج أحداً من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مبحث أدلة السنة إن شاء الله.
22.قوله تعالى:" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون"، تقدم معنا في تقديم هذا المبحث صفة أهل الذمة وأن حقن دماءهم بدخولهم في عقد الذمة مترتبٌ على أمرين هما؛ دفع الجزية للمسلمين، وانقيادهم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في دار الإسلام، وذكرنا بعض الشروط التي يشترط التزام أهل الذمة بها لسريان عقد الذمة وحقن دمائهم، وأن لازمها عدم الطعن في الإسلام وفي الله سبحانه وتعالى وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة من هذه الآية من وجهين (أولهما)أن الأصل في التعامل مع الكفار هو قتالهم، ومن حلَّ قتاله حلَّ قتله، ثم إن قتله يتعين بتعين الجريمة المستوجبة للقتل كما نبين لاحقاً، و(الآخر) أن من أعلن وأظهر سبه النبي صلى الله عليه وسلم ليس ملتزماًً بشروط العهد من الكف عن الطعن في دين الإسلام والتزام حال الصغار بالانقياد لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في دار الإسلام، قال ابن تيمية رحمه الله:" فمن المعلوم أن من أظهر سبَّ نبينا في وجوهنا وشتم ربنا على رؤوس الملأ منا، وطعن في ديننا في مجامعنا، فليس بصاغرٍ لأن الصاغر الذليل الحقير، وهذا فعلُ متعززٍ مراغم، بل هذا غاية ما يكون من الإذلال لنا والإهانة"، وقال الإمام الشافعي رحمه الله:" الصَغَار والله أعلم أن يجري عليهم حكم الإسلام"، قلت: ولا يخفى أن إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم مخالفٌ لجريان حكم الإسلام عليهم، قال القاضي عياض رحمه الله :" لأنا لم نعط الذمة أو العهد على هذا" أي على إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: هذا كله بالنسبة للكافر الذمي، فإذا تأملنا أنه غير موجود اليوم كان حال الكافر المستأمن أو الحربي إذا أظهر سب النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الحكم وهو انتقاض أمانه إن كان مستأمناً وتعين قتله إن كان حربياً وظُفر به، والله أعلم.
23.قوله تعالى:" كيف يكون للمشركين عهدٌ عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم"، فهذه الآية الكريمة تبين حكم الكافر الحربي وأنه لا عهد له ولا أمان من الله ورسوله، بل يقاتَل حتى يسلم أو يعطي الجزية إن كان من أهلها أو يهادن على تفصيل مبسوط في كتب الفقه، ثم استثنى الله تعالى مَن كان له عهدٌ سابق مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان مستقيماً على شروط العهد ومقتضياته، قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله:" ولما قدم المدينة – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - صالح اليهود وأقرهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم؛ فمنَّ على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقتل بعضهم"، ومن المعلوم أن المجاهرة بسب النبي صلى الله عليه وسلم ليست من الاستقامة على العهد في شيء، قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر الآية الكريمة:" نفى سبحانه أن يكون لمشركٍ عهدٌ ممن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهدهم إلا قوماً ذكرهم، فإنه جعل لهم عهداً ما داموا مستقيمين لنا، فعُلم أن العهد لايبقى للمشرك إلا ما دام مستقيماً، ومعلوم أن مجاهرتنا بالشتيمة والوقيعة في ربنا ونبينا وديننا وكتابنا يقدح في الاستقامة، كما تقدح مجاهرتنا بالمحاربة في العهد، بل ذلك أشد علينا إن كنا مؤمنين فإنه يجب علينا أن نبذل دماءنا وأموالنا حتى تكون كلمة الله هي العليا، ولا يُجهر في ديارنا بشيء من أذى الله ورسوله، فاذا لم يكونوا مستقيمين لنا بالقدح في أهون الأمرين فكيف يكونون مستقيمين مع القدح في أعظمهما"، قلت: تأمل فقه هذا الإمام العظيم، حيث جعل محاربة المشركين لنا بقتالنا واستباحة دمائنا أهون الأمرين وجعل سب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الأمرين وهو كذلك، هذا – كما قال رحمه الله – إن كنا مؤمنين، تأمل هذا الكلام النفيس ثم ابكِ على ما يظنه البعض اليوم نصرةً للنبي صلى الله عليه وسلم من دعوة لحوار الأديان وتخوفٍ من المبالغة في النكير على الشاتمين خشية تعثر عجلة التقدم في تعايش الأديان وتجاور الحضارات، فلا ينتهي العجب من هذا، نسأل الله السلامة والعافية.
24.قوله تعالى:"وإن نكثوا أيمانَهم مِن بَعد عهدِهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمةَ الكفر إنهم لا أَيمان لهم لعلهم ينتهون"، وإن الآية الكريمة تدل على انتقاض الإيمان والأمان ووجوب القتل من وجوه، (أولها)أن مجرد نكث الأيمان أي نقضها موجبٌ لانتقاض الأمان، و(منها) أن الطعن في الدين جريمة مستقلة زائدة على مجرد نقض العهد، و(منها) تسمية من ضم إلى نقض العهد طعناً في دين الإسلام إماماً في الكفر وهذا يستدعي قدراً زائداً من العقوبة الزاجرة الرادعة لأن إمام الكفر معلنٌ بمحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وداعية إلى الكفر فلا بد من كف أذاه عن الناس وهذا لا يتحقق إلا بقطع دابره، قال الإمام البيضاوي رحمه الله في قوله تعالى (فقاتلوا أئمة الكفر) :"أي فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة والتقدم في الكفر أحقاء بالقتل، وقيل: المراد بالأئمة رؤساء المشركين، فالتخصيص إما لأنَّ قتلهم أهم وهم أحق به، أو للمنع من مراقبتهم"، قلت: أي المنع من مراقبة العهد فيهم لأنهم أولى مَن نكث العهد بالقتل لعظيم خطرهم و(منها) توكيد الآية على أنه لا أمان لهؤلاء الكفار الطاعنين في الدين فيعودون إلى حكم الأصل من وجوب قتالهم، و(منها) تعليل هذا القتال برجاء انتهائهم عن الطعن في الدين والذي دلت عليه التجربة أن طعن هؤلاء في الدين لا ينتهي ولا ينقطع إلا بقطع دابرهم، و(منها) أن سب النبي صلى الله عليه وسلم هو من أعظم الطعن في الدين لأنه صلوات الله وسلامه عليه هو الواسطة بين الله عز وجل وبين الناس فبه بلَّغ الله تعالى دينه وعرَّف الناس أوامره ونواهيه، فمن طعن في نبينا صلى الله عليه وسلم بالسب فقد طعن في الله الذي أرسله ونقض أصل الدين، وفاعل هذا إمامٌ في الكفر لا بد من أن يُستراح منه، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى (وطعنوا في دينكم):" أي عابوه وانتقصوه؛ ومن ههنا أُخذ قتلُ من سب الرسول ضلوات الله وسلامه عليه أو من طعن في دين الإسلام أو ذكره بنقص". والحاصل أن هذه الآية أصلٌ عظيم في مسألتنا لأنها جامعة في الدلالة على كل أوجه المطلوب وهو انتقاض الإيمان والأمان وتعين القتل على هؤلاء المجرمين، والله أعلم.
25.قوله تعالى:"ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمُّوا بإخراج الرسول"، وهذه الآية تالية في الترتيب للآية السابقة، وفيها مزيد تهييج للمؤمنين على قتال هؤلاء الطاعنين في دين الله وفي الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التهييج والإغراء بهم يؤكد على أن المطلوب قتلهم واستئصال شأفتهم، بل إنك لتستشعر نوع عتاب في الآية لمن تردد في قتلهم، وكأن في الآية : كيف لا تقتاتلون هؤلاء الذين أرادوا إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأوه وإياكم القتال ونكث العهود! قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآية:"وهذا أيضا تهييج وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين بأيمانهم الذين هموا باخراج الرسول من مكة"، وقال ابن تيمية رحمه الله:"فجعل همَّهم بإخراج الرسول من المحضضات على قتالهم، وما ذاك إلا لما فيه من الأذى، وسبُّه أغلظ من الهم بإخراجه، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم عفا عام الفتح عن الذين همُّوا بإخراجه ولم يعفُ عمَّن سبَّه، فالذمي إذا أظهر سبَّه فقد نكث عهده وفعل ما هو أعظم من الهم بإخراج الرسول وبدأ بالأذى فيجب قتاله"، قلت: فهذا حال الذمي فما بالك اليوم بالكافر الحربي الذي لم ينعقد له أمان ولا عهدٌ أصلاً وهو يبارز النبي صلى الله عليه وسلم بالسب والشتم والتنقص والوقيعة في عرضه بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه، أيكون نصيبه من العقوبة دعوة إلى مؤتمر حوار أديان وتحذيره من مغبة الاستمرار في الشتم لئلا يعكر جو حوار الحضارات والتعايش السلمي بين الأديان، أم يكون نصيبه ضرباً فوق الأعناق وضرباً لكل بنان، تأمل هذا يا ما تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأمله جيداً ثم اختر لنصرة نبيك صلى الله عليه وسلم حالاً من هاتين.
26.قوله تعالى:"سأُلقي في قلوب الذين كفروا الرعبَ فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلَّ بَنان. ذلك بأنهم شاقُّوا الله ورسولَه ومن يشاقق اللهَ ورسولَه فإن الله شديد العقاب. ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذابَ النار"، ووجه الدلالة من هذه الآية أن تعليل الضرب فوق الأعناق وهو القتال كان بسبب مشاقة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"فجعل إلقاء الرعب في قلوبهم والأمر بقتلهم لأجل مشاقتهم لله ورسوله، فكل من شاقَّ الله ورسوله يستوجب ذلك، والمؤذي للنبي مشاقٌ لله ورسوله كما تقدم فيستحق ذلك"، قلت: وهذا صريح واضح لا يحتاج إلى كثير بسطٍ وبيان.
27.قوله تعالى:" ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذَّبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار. ذلك بأنهم شاقُّوا الله ورسوله ومن يُشاقِّ الله فإن الله شديدُ العقاب"، فهذا مصير هؤلاء من أهل الذمة الذين نقضوا عهدهم بمشاقة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال ابن تيمية رحمه الله :"فجعل سبب استحقاقهم العذاب في الدنيا ولِعذاب النار في الآخرة هو مشاقَّة الله ورسوله، والمؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُشاقٌّ لله ورسوله كما تقدم، والعذاب هنا هو الإهلاك بعذابٍ من عنده أو بأيدينا، وإلا فقد أصابهم ما دون ذلك من ذهاب الأموال وفراق الأوطان"، قلت: فهذا أيضاً صريح في أن من شاق الرسول صلى الله عليه وسلم بسب وشتيمة وغيرهما من أنواع الاذى فإنه مستحقٌ للعقوبة في الدنيا والنار في الآخرة، وما من عقوبة في الدنيا تليق بهذا الشاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير القتل على ما نبينه لاحقاً إن شاء الله، أما انتقاض إيمانه وأمانه فلا إشكال فيه بحمد الله.
28.قوله تعالى:" يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوَّكم أولياء تُلقون إليهم بالمودةِ وقد كفروا بما جاءكم مِن الحق يُخرجون الرسولَ وإياكم أن تؤمنوا بالله ربِّكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تُسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلَّ سواء السبيل"، ووجه الدلالة من هذه الآية من وجوه (أولها)أن الله تعالى قرن عداوة المؤمنين بعداوته سبحانه وتعالى ولا شك أن أولى المؤمنين وسيدهم وإمامهم في هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فمن عاداه فقد عادى الله ومن عادى الله استحق الحرب والقتل، و(منها) أن الله تعالى نهى عن موالاة هؤلاء الأعداء الآتية صفتهم في الآية، ونهي المؤمنين عن الموالاة إنما يكون مع الكافر لأن المؤمن لا يُنهى عن موالاة المؤمن كما هو مقررٌ ومستفيض في آيات القرآن، و(منها) أن هذه العداوة جاءت منعوتة موصوفة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من بلده وهذا نوع أذى، فكل أذى مِن جنسه أو أشد منه كالسب والشتم يكون أبلغ في تقرير العداوة تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى (يُخرجون الرسول وإياكم) :"هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم، لأنهم أخرجوا الرسول – صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بين أظهرهم كراهةً لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده"، قلت: فكيف بمن يسبه ويشتمه ويقع في عِرضه صلى الله عليه وسلم، و(منها) أن تعليق الجهاد في سبيل الله وهو القتال على قطع الموالاة مع هؤلاء الأعداء الذين آذوا النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد أن هؤلاء كفارٌ لا إيمان لهم ولا أمان لأن الجهاد أي القتال في سبيل الله وتقصُّد قتلهم ينصرف إلى هؤلاء. والحاصل أن هذه الآية قد قطعت كل وشيجة وصلة بين المؤمنين وبين من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي نوع من أنواع الأذى سواء أكان ما صرحت به الآية من إخراجه صلى الله عليه وسلم من مكة أم كان غيره من أنواع الأذى كالهجاء والسب والتنقص بل هذا أولى كما لا يخفى.
29.قوله تعالى:" وأعِدُّوا لهم ما استطعتم مِن قوةٍ ومِن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ الله وعدوكم" ، قال الإمام الطبري رحمه الله :"يقول تعالى ذِكره: وأعدوا لهؤلاء الذين كفروا بربهم الذين بينكم وبينهم عهد إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيها المؤمنون بالله ورسوله ما استطعتم من قوة، يقول: ما أطقتم أن تعدوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم من السلاح والخيل، (ترهبون به عدو الله وعدوكم) يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدو الله وعدوكم من المشركين"، قلت : وهذا لا يخفى أنه إعداد للقتال والقتل لأولئك المحاربين الناقضين للعهد والناكثين للإيمان والأيمان، وأي عداوة أشد من سب النبي صلى الله عليه وسلم وإعلان ذلك وإظهاره على الملأ في كل ما تيسر لهؤلاء المجرمين من وسائل الإعلان المسموع والمقروء والمرئي جهاراً نهاراً، ينفثون كل حقدهم ضد من بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وشرفه على سائر خلقه أجميعن، أليس هذا المجرم الساب والشاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً أولى الناس بأن يعيش حال الخوف والإرهاب وهو يعلم تربص المؤمنين به لقتله ودحره وقطع دابره. ولئن لم يصدق على ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاتمه ومتنقصه والطاعن فيه والواقع في عرضه وفي أزواجه الطاهرات المطهرات أنه عدو لله وعدو للمؤمنين فعلى من يصدق وصف العداوة؟ بل ما بقاء المؤمنين بعد شتم نبيهم إذا لم ينتصروا له صلى الله عليه وسلم بتربص الشاتم والساب بكل ما يملكون من أسباب القوة والرهبة، حتى إذا ظفروا به أخذوه أخذاً وبيلاً وقتَّلوه تقتيلاً ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.
30.قوله تعالى:" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّع أيدِيهِم وأرجُلُهُم مِن خِلافٍ أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا"، وهذه الآية أصلٌ في حدِّ الحرابة، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :"المحاربة: هي المضادة والمخالفة وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر"، وقال رحمه الله :"وليست تُحرز – أي تمنع - هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله ثم لحق بالكفار قبل أن يُقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يُقام عليه الحد الذي أصاب"، قلت: أي ولو تاب فإن التوبة تُسقط حق الله عز وجل ولا تُسقط حق العباد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر الآية :"فوجه الدلالة أن هذا الساب المذكور من المحاربين لله ورسوله الساعين في الأرض فساداً الداخلين في هذه الآية سواء كان مسلماً أو معاهداً، وكل من كان من المحاربين الداخلين في هذه الآية فإنه يقام عليه الحد إذا قدر عليه قبل التوبة سواء تاب بعد ذلك أو لم يتب، فهذا الذمي أو المسلم إذا سب ثم أسلم بعد أن أُخذ وقُدر عليه قبل التوبة فيجب إقامة الحد عليه، وحدُّه القتل فيجب قتله سواءٌ تاب أو لم يتب"، قلت: وسيأتي مزيد بيان لمسألة عدم استتابة شاتم النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المقصود هنا بيان وجه دخول الساب في المحاربين لله ورسوله مع ما يترتب على ذلك من النكال العظيم، ولا يماري عاقل فضلاً عن مسلم في أن سب النبي صلى الله عليه وسلم هو من أشد المحاربة لله ورسوله ومن أعظم الإفساد في الأرض، فلا تردد في دخوله في وعيد هذه الآية والله تعالى أعلم.
فهذه عشرون دليلاً من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تدل دلالة صريحة صحيحة على أن من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبٍ أو شتمٍ فقد انتقض إيمانه وزال أمانه ووجب قتله فهو كافر محارب يستحق وعيد الدنيا والآخرة جزاءً وفاقاً على ما اجترأ عليه من جريمة شنعاء قبيحة.