عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

معركة أُحد
 
السبت 15 شوال 3 هـ - 30 مارس 625 م
 
استعدادات واستخبارات
 
 
 
إن هذه الغزوة بلغت من الأهمية أنْ أفردَ اللهُ لها شطرًا من سورة آل عمران- إحدى السبع الطوال-، تلك المعركة التي تناولها الله – جل جلاله – بالتحليل والتعقيب، واستخلصَ منها بنفسه – سبحانه - دروسًا وعبرًا .
 
ويْ ! كأن الله أراد أن يجعل من معركة أُحد درسًا خالدًا، ومَعلمًا تالدًا، حيًا باقيًا إلى أبد الآبدين – ليتعظَ المسلمون بوخامة معصية الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وليَعلمَ الناسُ أن نواميس الله لا تحابي أحدًا، وأن النصر من عند الله، وأن الشهداء من اختيار الله، وأن الشورى فريضة على المؤمنين، وأن التضحية ضريبة للتمكين،  وأن البطولة مُكرُمة للمجاهدين، وأن النفاق لا يحيق إلا بأهلة، وأن اليهود تعاطفوا مع الوثنية، وتحاملوا على الإسلام...
 
 
 
***
 
ملخص الغزوة
 
سببها أن قريشًا أرادت أن تثأر ليوم بدر، وأن تُأمن تجارتها الشامية من هجمات المسلمين، وأن تسترد مكانتها التي اهتزت بعد بدر، فقد كانت هزيمة قريش في بدر فضيحة إقليمية بكل المقاييس، فشأن قريش في حربها على المسلمين شأن غيرها في الحرب الإسلام؛ إما من أجل العقيدة الباطلة أو من أجل المال والنهب أو من أجل القتل والثأر .. فما زالت قريشٌ تستعد، وتجمع المال والرأي، حتى تجهزت لغزو المدينة، فخرجت في ثلاثة آلاف مقاتل، ومعهم سبع عشرة امرأة لتحميس الجنود، ثم ساروا حتى وصلوا شمال المدينة، قُرب جبل أحد، ونزل الرسول - صلى الله عليه وسلم- على رأي الجماعة، وقرر الخروج بالجيش لملاقاة العدو خارج المدينة عند أحد، في نحو ألف من المسلمين، وفي الطريق انخذل جماعة من المنافقين ورجعوا، فصار عدد المسلمين سبعمائة رجل فحسب، ثم مضى الرسول – صلى الله عليه وسلم - حتى وصل إلى ساحة أحد، فجعل ظهره للجبل ووجهه للمشركين، ونظَّم الجيش، وكتَّبَ الكتائب، واختار خمسين من الرماة، ليحموا ظهر الجيش، مخافة التفاف المشركين على الجيش الإسلامي، وحذّرَ الرماة من ترك موقعهم بأي حال من الأحوال .. ثم ابتدأ القتال، فكانت الدائرة للمسلمين، فلما وقعت جماعة الرماة في العصيان وتركت موقعها، وانشغل المسلمون بجمع غنائم الدنيا، تحولت الدائرة للمشركين، فما شعر المسلمون إلا والسيوف تناوشهم من هنا وهناك، فاضطرب حبلهم، وفر بعضهم، وانهزم أكثرهم، وقُتل خيارهم،  وأُصيب نبيهم، ومُثِّلَ بشهدائهم .. فكانت معركة التأديب والتربية ...
 
كان هذا هو الموجز وإليك التفصيل ......
 
 
 
فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة !
 
قال ابن هشام : " لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ [ أي البئر الذي دُفن فيه قتلى المشركين يوم بدر] ، وَرَجَعَ فَلّهُمْ [ أي هاربيهم ] إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ - مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ فَلَعَلّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنّا ، فَفَعَلُوا . "[1] .  
 
 
 
وفي هؤلاء الذين أنفقوا أموالهم في سبيل محاربة الإسلام  نزل قول الله تعالى : " إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ، فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ " [ الأنفال : 36].
 
 
 
هكذا بدأ الوثنيون في التجهز لمعركة جديدة مع المسلمين، فشحذوا الهمم، ودفعوا الشعراء إلى تبني هذه القضية إعلاميًا، وكان على رأس هذا الحملة الإعلامية أبو عزة الشاعر، كما شن أصحاب المال حملة اقتصادية لجمع المال لمحاربة الإسلام في عقر داره، فأوقفوا أرباح تجارة شامية كاملة لهذا الغرض .
 
وانظر كيف ضحوا بالمال من أجل الحرب على الإسلام، وتأمل كيف بذلوا وأنفقوا من أقواتهم لقتل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا دأب أعداء هذا الدين في زماننا هذا، فترى الواحد من رجال الأعمال الغربيين ينفق الملايين من أجل إنشاء قناة فضائية لتنشر النصرانية ولتُنّصرَ المسلمين والإساءة لخاتم النبيين. فهذا هو جَلَد الفاجر وحماسه في الباطل!
 
ثم انظر إلى تخاذل بعض رجال الأعمال العرب ( المسلمين ) ممن ينفقون أموالهم على الفنانات والراقصات والحفلات والسهرات ، فترى الواحد منهم يتهالك في إنفاق ملايين الدولارات على امرأة بغي، ولا ينفق قرشًا في نصرة النبي !
 
 
 
من آفات الجيوش
 
وخرج الجيش الوثني بكامل عدته وعتاده في ثلاثة آلاف، وكان فيه من ثقيف مائة عسكري، والمشركون بذلك أكثر نفيرًا من المسلمين من حيث عدد العساكر، وكمّ السلاح، وعدد الظهور، والدعم الإعلامي بقيادة الشاعر أبي عزة، والدعم المعنوي النسائي بقيادة هند بنت عتبة التي حشدت كرائم قريش يحمسن الرجال، ويرقصن ويغنين، فكنَّ يعقدن الحفلات في كل مستراح للجيش، حيث تدار الخمور ويزداد الغرور فوق الغرور، وكأنهم لم يتعظوا من خطر هذه المظاهر المفسدة التي وقع في براثنها أبو جهل حين أقسم يوم بدر [ رمضان 2 هـ ] :
 
"والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزور [أي الجمال] ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا."[2] .
 
 
 
لم يستفد الجيش الوثني في أُحد مما عزموا عليه من قبل في بدر؛ من حفلات النساء والخمر، فصدق فيهم قول الشاعر :
 
رب أصباح محزنات   ...  يتركها المرقص اللعوب
 
 
 
ففي الوقت الذي يبيت فيه جنودٌ – سامرًا - يرقصون حول غانية، وآخرون حول القرآن قد اجتمعت قلوبهم، وقد كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، فحرى بالنصر أن يكون من نصيب المتقين. وحري بالهزيمة أن تفرفر أرباب الخَنا والميوعة . ومن يتلذذ في المعصية؛ يتلدغ في الهزيمة .
 
 
 
الاستخبارات الإسلامية داخل أرض العدو
 
ولما أجمع الجيش الوثني على المسير نحو المسلمين، كتب العباس ابن عبد المطلب كتاباً وختمه، واستأجر رجلاً من بني غفار واشترط عليه أن يسير ثلاثاً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - يخبره أن قريشاً قد أجمعت المسير إليك، فما كنت صانعاً إذا حلوا بك فاصنعه. وقد توجهوا إليك، وهم ثلاثة آلاف، وقادوا مائتي فرس، وفيهم سبعمائة دارع، وثلاثة آلاف بعير، وأوعبوا من السلاح [ أي أخذوا جميع الأسلحة ]. فقدم الغفاري فلم يجد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم - بالمدينة ووجده بقباء، فخرج حتى يجد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- على باب مسجد قباء يركب حماره، فدفع إليه الكتاب[3] .
 
 
 
وقد كان العباس يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-وكان المسلمون يتقوون به بمكة، وكان يحب أن يقدم على رسول الله [ مهاجرًا] ..
 
 
 
قليل من الناس من كان يدرك خطورة الدور الذي يقوم به العباس .. لقد أسدى للمسلمين خدمات استخبارتية جسيمة، ولقد كان من رأي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يظل العباس في دار الكفر مستخدمًا نفوذه ووجاهته في معروفَين؛ الأول : حماية المسلمين المستضعفين في مكة، والثاني : امداد المعسكر الإسلامي بالمعلومات اللازمة عن العدو.
 
 
 
من ثم فإن للمسلمين ذوي النفوذ في الأقليات الإسلامية دور عظيم. إن في أعناقهم حماية المسلمين والدفاع عن الإسلام في بلاد الغرب، ولا يظن هؤلاء المسلمون أن أمانة نشر الإسلام في بلاد الغرب ليست من اختصاصهم، أو يزعموا أنها من اختصاص رجال العلم وجهابذة الأزهر، حاشا وكلا ! إن أمانة تبليغ الإسلام في ربوع أوربا وأمريكا وغيرها من بلدان العالم – في أعناق المسلمين الذين يعيشون بين ظهراني الغربيين،بيد أن هذه التبعة ليست على الأقليات الإسلامية فحسب، بل هل واجب المسلمين جميعًا دولاً وشعوبًا، حكومات وجماعات.
 
 
 
ثم انظر إلى الحصافة المحمدية التي لم يفوتها سد هذا الثغر، بأن تُبقي أحدَ المسلمين بين ظهراني المشركين بحجم العباس .
 
وليس من شيم دولة الإسلام أن تغفل عن تحركات العدو، فالقائد الإسلامي يترصد أخبار العدو، وتُرفع إليه التقارير الاستخبارتية أولاً بأول في الوقت المناسب .
 
وعلى من يتجسس الرئيس المسلم ؟ على أعداء المسلمين لا على المسلمين ! فليست من أخلاق زعيم المسلمين أن يتجسس على شعبه فيفسد أخلاقهم، ويرسل عليهم العسس، وليس أمير المسلمين بالذي أوقف أجهزة الاستخبارات لجمع المعلومات عن رعيته تجسسًا، وغفل عن العدو، فصار العدو أقوى عندما انشغل الرئيس بالتجسس على شعبه، وانشغل الشعب في دفع ظلم رئيسه .
 
 
 
أهمية السرية والكتمان في الحروب
 
 لما تسلّم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رسالة العباس، دفعها إلى أبي بن كعب ليقرأها عليه، فلما فعل، استكتم النبيُ أبياً ما فيه، ثم دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منزل سعد بن الربيع فقال: " في البيت أحد؟ "  فقال سعد: لا، فتكلم بحاجتك. فأخبره برسالة العباس بن عبد المطلب، وجعل سعد يقول: يا رسول الله ، إني لأرجو أن يكون في ذلك خيرٌ، ثم أكد رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – على سعد بن الربيع أن يستكتم الخبر ثم انصرف[4] .
 
 
 
وخرجت امرأةُ سعد بن الربيع إليه، فقالت: ما قال لك رسول الله؟ فقال: ما لك ولذلك، لا أم لك؟ قالت: قد كنتُ أسمع عليك. وأخبرتْ سعداً الخبر، فاسترجع سعدٌ [ أي قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعوان]، وقال: لا أراك تستمعين علينا [ أي تتجسسين] وأنا أقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تكلم بحاجتك! ثم أخذ يجمع لبتها [ بمجمع ثوبها]، ثم خرج يعدو بها حتى أدرك رسول الله -صلى الله عليه وسلّم –، وقد بَلَحَتْ [ أي تعبت ]، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي سألتني عما قلت، فكتمتُها، فقالت قد سمعت قول رسول الله! فجاءت بالحديث كله، فخشيت يا رسول الله أن يظهر من ذلك شيءٌ فتظن أني أفشيت سرك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم-: "خل سبيلها"[5].
 
 
 
هذا درسٌ عظيم في أهمية كتمان الأخبار التي تمس أمن المسلمين، وأهمية السرية في الحروب، والتصامم عن المعلومات الحساسة التي حرّم الأمامُ تداولها، حرصًا منه على طمئانينة المسلمين، ومنع انتشار الفتن، وصد أي هجوم إعلامي من قبل العدو من شأنه بث الخوف والرعب في نفوس الناس.
 
إنها القيادة الحكيمة التي تدرك خطر الكلمة، التي تفعل ما لا تفعل القنابل . . .
 
ومحمد – صلى الله عليه وسلم – صاحب القدوة والمثل في التربية الأمنية الحقة، فانظر كيف استكتتم الكاتب أبي بن كعب، وكيف استكتم القائدَ سعد بن الربيع، وأكد عليه أهمية كتمان خبر مقدم العدو. فتاريخ الحروب أثبت أن السرية مِن عوامل النصر. ثم كم روى التاريخ قصة امرأة تسببت في تسريب معلومة حربية، وكم سقط الجيش بسبب زوج قائد من القادة. إن المسلم عليه أن يتريض في كتمان الأسرار، وأن يتأدب بآداب الحروب التي منها المحافظة على المعلومات التنظيمية.
 
وفي الحديث :"اسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ ..."[6] .
 
 
 
فمن أراد أن يُهلك خُطة؛ فليفشها، ومن أراد أن يفسد أمرًا، فلينشره قبل إحكامه، ومن أمَّن على سره؛ أمِنَ من ضره، ومن لم يكتم السر فلم يستكمل الجندية، فسرُ الجندي من دمه، فإن أفشاه أراقه، وأهلك إخوانه، ودمر أحبابه، والسبب في لسانه !
 
وليكن – أخي - سر قائدك في قلبك كأنما هو في سجن، وفي صدرك كأنما هو في حبس.. فأحلف لك بالله أن الصابر على السر كالمجاهد في الحر !
 
 
 
قال قيس بن الحطيم يمدح صديقًا له :
 
كتوم لأسرار الخليل أمينها ... يرى أن بث السر قاصمة الظهر
 
 
 
الاستخبارات الإسلامية داخل جيش العدو !
 
 
 
وإمعانًا في متابعة أخبار العدو؛ بعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلّم-  الحبابَ بن المنذر إلى جيش قريش ! نعم هكذا كان التكليف ! أن يخترق جيش الوثنِ متنكرًا، وبالفعل نجح صاحب المواقف الحربية، فدخل فيهم، وحزر، وراقب، ونظر ..
 
 
 
وقد قال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : وقد بعثه سراً - :
 
"  لا تخبرني بين أحد من المسلمين إلا أن ترى قلة. " .  فرجع الحباب فالحًا ناجًحا في المهمة، وأخَبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خاليًا قائلاً :  رأيت يا رسول الله عدداً، حزرتهم ثلاثة آلاف، يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، والخيل مائتي فرس، ورأيت دروعاً ظاهرة، حزرتها سبعمائة درع. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" هل رأيت ظعناً [ أي نساء ]؟ قال: رأيت النساء معهن الدفاف والأكبار [ أي الطبول ]. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-:" أردن أن يحرّضن القوم، ويذكرنهم قتلى بدر، هكذا جاءني خبرهم ( ! ) لا تذكر من شأنهم حرفاً، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أجول وبك أصول "[7].
 
 
 
إن المعلومات التي رفعها الحباب – رضي الله عنه – تدل دقتُها وتفاصيُلها على مدى الجهد الذي بذله الحباب، ومستوى الفدائية عند ذلك الأسد، إذ كيف تتأتى له هذه المعلومات بهذه الصورة إلا إذا اخترق الجيش الوثني بحق، متخقيًا أو متنكرًا، دون أن يُحدث فيهم حدثًا أو أن يكشفوا أمره .
 
 
 
متابعة الجانب المعنوي للعدو
 
وكان السؤال الأول الذي سأله النبي ُ – صلى الله عليه وسلم – للحباب كان عن نساء قريش وهل صحبن الجيش وكان الجواب أن نعم ومعهن الدفاف والطبول .. إن قائدنا يتابع الجانب المعنوي لجيش العدو، وقد كان تعليق القائد ، موضحًا الدور المنوط بهؤلاء النسوة اللاتي انتفضن وجعلن من الحرب على الإسلام قضيتهن ورسالتهن – أنهن أردن أن يحرضن الجيش، فالتحريض هو رُوح القتال أو كما قال الله تعالى : " وحرض المؤمنين"، وكانت النسوة يذكرن الجيش الوثني أغانيهن قتلى بدر .. فياليت البنت المسلمة تدرك دورها في خدمة الإسلام ! وتنظر إلى حماسة هؤلاء النسوة في الباطل !
 
 
 
تعدد مصادر الاستخبار
 
ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – معلقًا على تقرير الحباب :
 
" هكذا جاءني خبرهم ( ! ) ... "
 
فهذه الأنباء قد أتت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – من مصدر آخر، لعله العباس أو أنس وأنيس ابنا فضالة – فقد أرسلهما يتنصتان أخبار قريش، أو من مصدر ثالث.. إن زعيمنا لا يأخذ معلوماته الاستخبارتية من مصدر وحيد، بل من مصادر عدة، للتّثبت والتأكد، والتوصل إلى صورة أوضح عن جيش العدو . وهذا كله يجعله يتقلد أزِمَّة الحرب الإعلامية .
 
وهو لا يزال في مرحلة السرية والكتمان التي تعقب التجهز للمعارك، فهو يقول للحباب :
 
" لا تذكر من شأنهم حرفاً " ..
 
 
 
الحسيب الوكيل
 
وكعادته إذا جمع الناسُ عليه لحربه أوتحزب عليه العدو قال : "حسبنا الله ونعم الوكيل"...
 
وقد كانت من سنته – صلى الله عليه وسلم – أن يقول وهو في طريقه للقاء العدو ،
 
" اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ"[8].
 
 
 
فالمسلمون لا يستعينون بغير الله على عدو الله، فلن ينصرهم أحد إلا الله، و"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، فهو سبحانه المتفرد بمنح النصر أو منعه، "يعز من يشاء ويذل من يشاء"، لكنه كتب لينصرن من ينصره، فما لنا نذهب إلى غير الله نطلب النصرة وإلى غير شرعته نطلب التمكين، وقد وعد الله أن يستخلف الذين آمنوا كما استخلف الذين من قبلهم!
 
***
 
علمتَ - أخي – في هذه الحلقة كيف أن أعداء الإسلام ينفقون الأموال في دعم حربهم على الإسلام.. فحري بك أن تنفق في سبيل نصرة هذا الدين والعمل على تمكينه، والسعي وراء تحكيم شرع.
 
وعلمتَ – أخي – كيف أن حفلات المجون، وابتغاء نشر الخمور، تأتي دومًا خرابًا ويبابًا على أصحابها .
 
وعلمتَ أهمية ( الكتمان ) في تحقيق النصر، وتأمين الشَعب، وتأهيل الجند، وإعداد العُدة، فتعلّم هذا الأدب الأخلاقي، وتريض هذا العمل العسكري، وخذل دومًا عن إخوانك .
 
ثم عليكَ أن تعتقد أن الله هو الحسيب الوكيل، الذي لا يعدله نصير ولا ظهير، وأنه لا ناصر لنا إلا الله ..
 
 
 
توصية عملية :
 
ـ درب نفسك على الكتمان وحفظ الأسرار، وتذكر دومًا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم : " لا تذكر من شأنهم حرفاً " ..
 
 
----------------------
 
 
 
[1] ابن هشام 2/60
 
[2] ابن كثير ( السيرة ) : 2/399
 
[3] انظر: الواقدي : 1/77
 
[4] انظر الواقدي : 1/77
 
[5] انظر الواقدي : 1/77
 
[6] أخرجه الطبراني، "الكبير" ( 16609 )، وهو في السلسلة الصحيحة، برقم 1453
 
[7] الواقدي 1/78
 
[8] أخرجه أبو داود (2262) وصححه الألباني



                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق