شرح حديث: "من كثر سواد قوم فهو منهم"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن معنى الحديث والله أعلم أن من اجتمع مع قوم على طاعة فهو منهم، وقد يعمه الخير بسبب اجتماعه معهم على الطاعة ولو لم يكن مثلهم في النية والمقصد، ومن اجتمع مع أهل الشر والمعاصي مختارا فهو مثلهم، وإذا عوقبوا في الدنيا فقد يعاقب معهم ولو لم يكن يريد المعصية، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند كلامه على ما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، قالت: قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم. قال: وفي حديث أم سلمة عند مسلم فقلت يا رسول الله: فكيف بمن كان كارها؟ قال يخسف به ولكن يبعث يوم القيامة على نيته أي يخسف بالجميع لشؤم الأشرار ثم يعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده. قال المهلب في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم. قال: واستبنط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وإن لم يشرب، وتعقبه ابن المنير بأن العقوبة التي في الحديث هي الهجمة السماوية فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية ويؤيده آخر الحديث حيث قال: ويبعثون على نياتهم، وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل، والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر إلى ذلك. انتهى.
والحديث المسؤول عنه ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية عن أبي يعلى ولفظه: قال أبو يعلى: حدثنا أبو همام نبأ ابن وهب أخبرني بكر بن مضر عن عمرو قال: إن رجلا دعا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى وليمة فلما جاء سمع لهوا فلم يدخل، فقال ما لك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كثر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريكا لمن عمله.
ولم نجد من صرح بالحكم على الحديث صحة وضعفا لكن سكت عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في الدراية في تخريج الهداية وأورد له شواهد، وكذلك فعل السخاوي مما يدل أن للحديث أصلا.
والله أعلم.