إِنَّ مِنْ لَوازِم الإيمَانِ مَحَبَّةَ سيِّدِ الأَنَامِ مُحمَّدٍ صلى الله عليه و سلم, وَكَيْفَ لَا يُحِبُّ المسْلِمُ نبيَّه, وَهُوَ السَّببُ فِي هِدَايتِه إِلَى طَريقِ النُّورِ وَالإيمَانِ, والسَّبَبُ فِي نَجاتِه مِنَ الكُفْرِ والنِّيْرَانِ!
قَالَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"[مُتَّفقٌ عليْهِ].
بَلْ إِنَّ محبَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم تتَجاوَزُ مَحَبَّةَ الإنْسانِ نَفْسَه، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ رضي الله عنه للنَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم: يَا رَسولَ اللهِ! لَأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كُلِّ شيءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ"فقالَ لَهُ عُمَر: إِنَّه الآنَ –وَاللهِ –لَأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ نَفسِي، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم: "الْآنَ يَا عُمَرُ"[رَواهُ البُخارِيُّ]، أي: الآنَ عَرَفْتَ فَنَطَقْتَ بِمَا يجِبُ.
إِنَّ محبَّةَ النبيِّ صلى الله عليه و سلم يدَّعِيها كلُّ أَحَدٍ، يدَّعِيها أَهْلُ الْأهْواءِ والبِدَعِ، يَدَّعيهَا القُبورِيُّونَ والسَّحرَةُ وَالْـمَشَعْوِذُونَ, بَل يدَّعيها كثيرٌ مِنْ أَهْلِ الفِسْقِ والفُجورِ، ولكنَّ القضيةَ ليسَتْ بِدعوَى المحبَّةِ، بَلْ بحقِيقَةِ المحبَّةِ، إذْ مِن لوازِم محبَّةِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم: طاعتُه فِيما أَمر، واجْتِنابُ مَا عَنْه نَهَى وَزَجرَ، وَألا يعبدَ اللهَ تعالىَ إِلَّا وِفقَ شَريعتِه لا بالبِدَع والأهْواءِ, وَلِذَلِكَ فَإِنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى"قَالُوا: وَمَنْ يأْبَى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى"[متفقٌ عَلَيْهِ].
إِنَّ محبةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم ليسَتْ فِي إِقامَةِ الموَالِد، ولَا المآتِم, وَلَا فِي إنْشَاءِ قَصَائدِ الغُلوِّ وَالإطْرَاءِ، بَل هِي فِي العَمَلِ بِسُنَّتِه, وتعظِيمِ شَرِيعَتِه, وَإحْيَاءِ هَدْيِه، والذَّبِّ عنْه وَعَنْ سُنَّتِه, وتصْدِيق خَبَرِه، واسْتِحْضارِ هَيْبَتهِ عِنْدَ الحدِيثِ عَنْهُ، وَالصَّلاةِ عَليهِ كُلَّمَا ذُكِر، وَتَرْكِ الابْتِداعِ فِي شَريعَتِه, وَمحبَّةِ أصْحَابِهِ والانْتِصارِ لهمْ، وَمعْرفةِ فَضَائِلِهِمْ، وَبُغْضِ مَنْ عَادى سُنَّته, أَوْ خالَف شَرِيعَتَه, أَوِ انْتقصَ مِنْ أَقْدارِ حَمَلَتِهَا وَرُواتِها؛ فَكُلُّ مَنْ خَالفَ شيئًا مِنْ ذَلِك فهُو بعيدٌ عَنْ محبَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم بقَدْرِ مُخَالِفَتِهِ.
فالنبيُّ صلى الله عليه و سلم - مَثَلاً –يَقُول: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"[متَّفقٌ عليْهِ].
وَيقُول: "إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ"[رَوَاهُ أَهْلُ السُّنن].
وَمع هَذا التحْذِيرِ مِنَ البِدعِ يَأتي أُناسٌ، فَيبتَدعُونَ فِي دينِ اللهِ تَعالى مَا ليْس منه، وَيستحْسِنون هذهِ البدعَ، بَل وَيزعُمون أَنَّها مِن دَلائلِ محبَّةِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم، بَلْ قدْ يَكْذِبون عَلَيْه، وَيضعونَ الحديثَ وينْسِبونَه إِلَى النبيِّ صلى الله عليه و سلم وَيقولُون: كَذبْنَا لَه، ولمْ نكذِبْ علَيْهِ، وَهذا مِنْ أَعْظَم الفِرَى وأقْبحِ الضَّلالِ، لأنَّ شريعةَ اللهِ تَعَالى كاملةٌ لَا تحتاجُ إِلى كَذبِ هَؤُلاءِ وأباطِيلِهمْ.
وَمِنْ هَذا النَّوعِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم نَهَى عَن سبِّ أصحَابِه وَقَالَ: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ"[مُتَّفقٌ عليْه].
وَمع ذَلِكَ يَأْتِي أُناسٌ فَيسُبُّون أَصحابَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَيلْعنُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَيَرمُونَ الطاهِرةَ المطهَّرةَ عَائشةَ أُمَّ المؤمِنينَ رضي اللهُ عَنْهَا بِمَا بَرَّأَها اللهُ مِنه فِي كِتَابِه، وَيزْعمُون أنَّهم يفعلُون ذَلِكَ مَحبةً لِرَسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَدفاعًا عَنْ أَهْلِ بيتِه.
وَمِنْ هذا النَّوعِ أيضًا أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم نَهى عَنِ الغُلوِّ فِي إطرائِه, فَقَالَ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ, إِنَّمَا أَنَا عَبْدُه، فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه"[رَوَاهُ البخاريُّ].
وَمع هَذا النهيِ الوَاضحِ، يَأتِي أُناسٌ يَتَّبعُون سَنَنَ أَهلِ الكتابِ, فَيصِفُونَ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم بالْأوصَافِ الَّتي لَا تلِيقُ إِلا بالخالقِ سُبحانَه، وَيسأَلُونَه الرِّزْقَ وشِفَاء الْأَمْرَاضِ, وَالنَّجاةَ مِنَ المهَالِك، وَغيرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُطلبُ إِلَّا مِن اللهِ تَعالى, ثُمَّ يزعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ محبَّةِ النبيِّ صلى الله عليه و سلم، وَالصَّحيحُ أنَّه مِنْ دلائلِ الجهْلِ والشِّرْكِ والمخالِفَة لله ولِرسُولِه صلى الله عليه و سلم.