عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

العدل بين النساء في الحكم بينهن

المظهر الآخر للعدل بين النساء هو العدل بينهن في الحكم فيما شجر بينهن ، وهو مطلوب شرعا ، لدخوله في عموم قوله تعالى : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } [1].

 

وكان النبي  صلى الله عليه و سلم يساوي بين نسائه في المعاملة ويعدل بينهن في القضية ، ولو كان في أمر يسير مما يحدث بين الضرائر ،  عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : زارتنا سودة يوما فجلس رسول الله  صلى الله عليه و سلم بيني وبينها ، إحدى رجليه في حجري ، والأخرى في حجرها ، فعملت له حريرة ، أو قال خريرة ، قلت : كلي ، فأبت ، فقلت : لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها ، فضحك رسول الله  صلى الله عليه و سلم ، فرفع رسول الله  صلى الله عليه و سلم رجله من حجرها ، لتستقيد مني ، وقال لها :      لطخي وجهها ) فأخذت من الصحفة شيئا ، فلطخت به وجهي ، ورسول الله  صلى الله عليه و سلم يضحك )) [2].

وهذه القصة الطريفة وإن كانت تعكس صورة من الدعابة والفرح في البيت النبوي الكريم ، إلا أنها انطوت على خصلة أصيلة في رسول الله  صلى الله عليه و سلم ألا وهي كراهة الظلم والتعدي على كرامة الناس وحرمتهم ، حيث أعطى أهله وهن في غمرة الفكاهة درسا في العدل والاحترام المتبادل .

وفي مشهد آخر أشد حدة وأبلغ أثرا نرى النبي  صلى الله عليه و سلم يرسخ هذا المبدأ ويرد الحق لأهله بلا مجاملة ولا تلكؤ ،      عن أنس tقال : كان النبي  صلى الله عليه و سلم عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنات بصحفة فيها طعام ، فضربت التي النبي  صلى الله عليه و سلم في بيتها يد الخادم ، فسقطت الصحفة فانفلقت ، فجمع النبي  صلى الله عليه و سلم فلق الصحفة ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول :      غارت أمكم )) ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها ، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها ، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت )) [3].

قال ابن حجر رحمه الله :      وفي الحديث حسن خلقه  صلى الله عليه و سلم وإنصافه وحلمه )) [4].

 أما حسن خلقه  صلى الله عليه و سلم فيدل عليه حسن تعامله مع أهله وملاطفتهن بجلوسه بين الزائرة والمزورة ووضع رجليه على حجريهما ، وتفهمه  صلى الله عليه و سلم للدوافع المكرهة على بعض الأعمال المشينة من الغيراء بقوله :      غارت أمكم )) ،  وكذلك ضحكه  صلى الله عليه و سلم من طرافة تصرفات نسائه .

وأما عدله وإنصافه فيظهر من حكمه على التي كسرت صحفة أختها بأن دفعت صحفتها الصحيحة إلى صاحب الصحفة المكسورة وأبقت المكسورة عندها .

قصة مناشدة أزواج النبي  صلى الله عليه و سلم إياه العدل في عائشة رضيَ الله عنهن :

لم يكن حب النبي  صلى الله عليه و سلم لعائشة رضي الله عنها سرا مخفيا عن أحد من أزواجه ولا من أصحابه رضيَ الله عنهم أجمعين ، فقد صرح النبي بذلك في غير موضع ، وتصرف بتصرفات تعبر عن هذا الحب العميق ، غير أن أزواج النبي  صلى الله عليه و سلم لم يستطعن أن يكتمن غيرتهن لعائشة ، وحسدهن إياها بهذه المنزلة ، فشكون ذلك إلى رسول الله  صلى الله عليه و سلم وناشدنه أن يعدل بينهن ، وهذه قصة تلك الشكوى والمناشدة وسنتبعها بالشرح والبيان إن شاء الله تعالى .

     عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن نساء رسول الله  صلى الله عليه و سلم كن حزبين : فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر : أم سلمة وسائر نساء رسول الله  صلى الله عليه و سلم ، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله  صلى الله عليه و سلم عائشة ، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله  صلى الله عليه و سلم أخرها حتى إذا كان رسول الله  صلى الله عليه و سلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله  صلى الله عليه و سلم في بيت عائشة ، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها : كلمي رسول الله  صلى الله عليه و سلم يكلم الناس ، من أراد أن يهدي إلى رسول الله  صلى الله عليه و سلم هدية فليهدها إليه حيث كان من بيوت نسائه ، فكلمته أم سلمة بما قلن لها ، فلم يقل شيئا ، فسألنها فقالت : ما قال لي شيئا ، فقلن لها فكلميه ، قالت : فكلمته حين دار إليها أيضا ، فلم يقل لها شيئا ، فسألنها فقالت : ما قال لي شيئا ، فقلن لها كلميه حتى يكلمك ، فدار إليها فكلمته ، فقال لها :      لا تؤذيني في عائشة ، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ، قالت : فقلت : أتوب إلى الله من أذاك .

ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله  صلى الله عليه و سلم فأرسلت إلى رسول الله  صلى الله عليه و سلم تقول : إن نسائك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته فقال  صلى الله عليه و سلم :      يا بنية ألا تحبين ما أحب ؟ قالت : بلى ، فرجعت إليهن فأخبرتهن ، فقلن : ارجعي إليه ، فأبت أن ترجع ، فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت ، وقالت : إن نسائك ينشدنك العدل في بنت ابن أبي قحافة ، فرفعت صوتها ، حتى تناولت عائشة ، وهي قاعدة فسبتها ، حتى إن رسول الله  صلى الله عليه و سلم لينظر إلى عائشة هل تكلم ، قال : فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها ، قالت : فنظر النبي  صلى الله عليه و سلم إلى عائشة فقال :      إنها بنت أبي بكر )) [5].

وفي القصة فوائد ودروس ولعل من أهمها ما يلي :

شدة غيرة نساء النبي  صلى الله عليه و سلم   .
لا يعرف كثير من الناس من غيرة نساء النبي  صلى الله عليه و سلم إلا ما كان من عائشة رضيَ الله عنها ، وذلك لشهرتها وكونها أشد من غيرة غيرها من النساء ، لأنها أصغر منهن وأكثرهن حبا لرسول الله  صلى الله عليه و سلم .

والواقع أنهن جميعا كن متصفات بهذه الغيرة الشديدة ، غير أن بعضهن كن أصبر وأكتم لما في قلوبهن من بعض ، و رأت نساء النبي صلى الله عليه وسلم التفضيل بينهن وبين عائشة من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه و سلم فانتهى صبرهن وهاجت غيرتهن ، فهرعن إلى رسول الله  صلى الله عليه و سلم يناشده العدل بين نسائه ، فأرسلن إحداهن إليه ثلاث مرات فلم يجبها ، وفي الأخيرة أسكتها بقوله  صلى الله عليه و سلم :      لا تؤذيني في عائشة )) فانتهت ، غير أنهن لم يتركن المناشدة فأرسلن إليه فاطمة بنت رسول الله  صلى الله عليه و سلم فوعظها بقوله  صلى الله عليه و سلم      يا بنية ألا تحبين من أحب )) فاتعظت وقالت : بلى .

ولكن لم تيأس نساء رسول الله فأرسلن مرة أخرى واحدة منهن فجاءت بوجه غير وجه من سبقتها فأغلظت الكلام لرسول الله  صلى الله عليه و سلم ، ولم تكتف بذلك وسبت عائشة ، وردت عليها بالمثل ، وكان جواب رسول أن التفت إلى عائشة وقال :      إنها ابنة أبي بكر )) .  

 

مناشدة نساءه إياه شيئا ليس مما يملك .
ليس في هذه القصة ما يدل على أن رسول الله ظلم نسائه أو بخسهن شيئا من حقوقهن ، فالذي أغاظ قلوب نساء رسول الله  صلى الله عليه و سلم واضح وجلي وهو تصرف الصحابة الكرام في إهداء رسول الله  صلى الله عليه و سلم الهدايا وهو في بيت عائشة . [6]

و إلا فقد كن جميعا يدركن محبة رسول الله  صلى الله عليه و سلم عائشة أكثر من غيرها ، ولم يطالبن قط رسول الله بالتسوية بينهن وبين عائشة في المحبة ، لعلمهن باستحالة ذلك .

وليس في جواب رسول الله  صلى الله عليه و سلم تعرض لفعل الصحابة لأنه لم يأمرهم بذلك ولم يطلبه منهم ، وإنما بين ما تعلق بشخصه من أسباب تفضيل عائشة في المحبة على غيرها . 

من أسباب ميل قلبه  صلى الله عليه و سلم  لعائشة وحبها أكثر من باقي نسائه . 
ذكر رسول الله  صلى الله عليه و سلم في هذه القصة سببين من أسباب تفضيله عائشة في المحبة على سائر نسائه اللائي اجتمعن معها عنده .

السبب الأول :كون الوحي لم يأته وهو في لحاف امرأة غيرها ، وفي ذلك دليل على فضلها عليهن .

السبب الثاني :كونها ابنة أبي بكر )) وهو أول من آمن به من الرجال ، ومرافقه في الهجرة ، وصاحبه في الغار ، وخليفته من بعده ، وكانت عائشة تشبهه في حسن خلقه وكمال أدبه ، ومحبته لرسول الله وإيمانه به .

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]سورة النساء الآية 58

[2]السنن الكبرى للنسائي ( 5 / 291 )

[3]صحيح البخاري ( 5 / 2003 )

[4]فتح الباري ( 5 / 126 )

[5]صحيح البخاري ( 2 / 911 ) صحيح مسلم ( 4 / 1891 )

[6]حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام ص 115




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق