عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

هدي النبي  صلى الله عليه و سلم في التعامل مع أزواجه أمهات المؤمنين رضيَ الله عنهن .

إن هذه الكثرة العددية والتنوع الاجتماعي لأزواج النبي  صلى الله عليه و سلم يطرح سؤالا مهما ألا وهو : كيف يستطيع النبي  صلى الله عليه و سلم أن يتعامل مع هذه التركيبة الاجتماعية المختلفة مؤديا حقوقهن بلا ظلم ولا هضم ، وكيف يستطيع أن يجمع بين معاشرتهن بالمعروف وبين أعباء الرسالة وهمومها .

لاشك أن السر في ذلك هو ما كنت سمعته على لسان أحد الدعاة المعاصرين ، وكان غريبا عندي لما سمعته لأول مرة ، إنه   الإعجاز الخلقي عند النبي  صلى الله عليه و سلم ) بحيث لم يشاهد بشرا قبل رسول الله  صلى الله عليه و سلم   اجتمع عنده من مواصفات الكمال البشري ومن فضائل الأخلاق ما اجتمع عنده  صلى الله عليه و سلم .

إن النبي  صلى الله عليه و سلم في بيته رجل مثل جميع الرجال في كل ما جل وشرف من معاني الرجولة والفحولة ،    عن عمرة عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : سألناها كيف كان رسول الله إذا خلا مع نسائه ؟ قالت : كان كرجل من رجالكم ، كان أحسن الناس خلقا ، وأكرمهم خلقا ، ضحاكا بساما )) [1].

وفيما يلي نحاول إن شاء الله تعالى عرض ما تيسر من هدي النبي  صلى الله عليه و سلم في التعامل مع أزواجه أمهات المؤمنين رضيَ الله عنهن ، ونسرد من مظاهر كماله  صلى الله عليه و سلم في هذا الباب ما يشهد على خيريته لأهله على جميع العالمين :

المظهر الأول : هداية النبي لأزواجه  إلى الخير وتعليمهن أحكام الشرع .

أكبر معروف يسديه المرء إلى أهله هدايتهم وإرشادهم إلى الخير ، ولذلك أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده أن يبدءوا في دعوتهم بعشيرتهم الأقربين ، قال تعالى  {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [2]أي :    الذين هم أقرب الناس إليك ، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي )) [3].

وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [4]،    قال قتادة : تأمرهم بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله ، وتأمرهم به وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها )) [5].

ولما بعث الله النبي  صلى الله عليه و سلم إلى الخلق ليدعوهم إلى الإسلام ، كان أول من دعاهم النبي  صلى الله عليه و سلم هو زوجه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضيَ الله عنها ، فآمنت به وصدقته ،    فكانت أول من استمع إلى الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم  صلى الله عليه و سلم ، وكانت أول من تلا القرآن الكريم بعد أن سمعته من صوت الرسول العظيم  صلى الله عليه و سلم ، وكانت كذلك أول من تعلم الصلاة من رسول الله  صلى الله عليه و سلم ، فبيتها أول مكان تلي فيه أول وحي نزل به جبريل على قلب المصطفى الكريم بعد غار حراء )) [6].

وهكذا كان رسول الله  صلى الله عليه و سلم حريصا على هداية أزواجه إلى الخير وعلى تعليمهن أمور دينهن ، وأمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر ،    عن أنس بن مالك  رضي الله عنه قال : دخل النبي  صلى الله عليه و سلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين ، فقال :    ما هذا الحبل ؟ )) قالوا : هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به ، فقال النبي  صلى الله عليه و سلم :    حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليقعد )) [7]، قال النووي رحمه :    فيه الحث على الاقتصاد في العبادة ، والنهي عن التعمق ، والأمر بالإقبال عليها بنشاط ، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور ، وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه ، وفيه جواز التنفل في المسجد ، فإنها كانت تصلي النافلة فيه ، فلم ينكر عليها )) [8].

وعلم  صلى الله عليه و سلم  عائشة دعاء زيارة القبور ، وأمرها إذا أتت القبور أن تقول :    السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون )) [9].

وأرشد أم سلمة إلى الاحتجاب عن المكاتب ، فقال  صلى الله عليه و سلم :    إن كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه )) [10].

ونهاها عن إدخال المخنثين عليهن ،    عن أم سلمة رضيَ الله عنها قالت : دخل علي رسول الله  صلى الله عليه و سلم وعندي مخنث ، فسمعه يقول لعبد الله بن أمية أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف ، إذا فعليك بابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، وقال النبي  صلى الله عليه و سلم :    لا يدخلن هؤلاء عليكن )) [11].

ونهى حفصة رضيَ الله عنها عن تعيير صفية وسبها ،    عن أنس  رضي الله عنه قال : بلغ صفية أن حفصة قالت : بنت يهودي ، فدخل عليها النبي  صلى الله عليه و سلم وهي تبكي فقال :    ما يبكيك ؟ )) فقالت : قالت لي حفصة : إني بنت يهودي ، فقال النبي  صلى الله عليه و سلم :    إنك لابنة نبي ، وإن عمك لنبي ، وإنك لتحت نبي ، ففيم تفخر عليك ؟ )) ثم قال :    اتقي الله يا حفصة )) [12].

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]تاريخ دمشق ( 3 / 383 )

[2]سورة الشعراء الآية 214

[3]تيسير الكريم الرحمن ص 599

[4]سورة التحريم الآية 6

[5]تفسير القرآن العظيم ( 4 / 392 )

[6]السيرة النبوية لعلي الصلابي ( 1 / 96 )

[7]صحيح البخاري ( 1 / 386 ) واللفظ له ، صحيح مسلم ( 1 / 541 )

[8]شرح صحيح مسلم ( 6/ 73 )

[9]صحيح مسلم ( 2 / 670 )

[10]سنن أبي داود ( 4 / 21 ) ، سنن النسائي الكبرى ( 5 / 389 )

[11]صحيح البخاري ( 4 / 1572 ) ( صحيح مسلم ( 4 / 1715 )

[12]سنن الترمذي ( 5 / 709 ) سنن النسائي الكبرى ( 5 / 291 )




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق